ترمب قدم نفسه "أنا صانع سلام ووحدة"، بحركة من اصبعه يفعل كل شيء، ورغم تعهده بإنهاء جميع الحروب ترمب شعر بالعجز فمن الصعوبة ايقاف الحروب وتحقيق ما وعد به انتخابياً، هناك مشاكل يجب الاقرار بها ويحاول الخروج منها بأقل الخسائر، ما زال ترمب تحت صدمة أوكرانيا فشل في تحقيق السلام فيها والتوترات تتصاعد يوماً بعد يوم، وربما الحرب تتسع لتشمل أوروبا كلها ألسنا على أبوابها، وفي غزة ترمب يفرض خطة للسلام من خلال اقناع المجتمع الدولي أنه قادر على ايجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي وهو "أزمة لا حل لها الا بالعالم الآخر"، يريد السلام في الشرق الأوسط وليس في غزة فقط، ماذا تبقى من غزة ليكون السلام، وماذا تبقى منا!، لكنه يهدد الشرق الأوسط ويهدد الجميع بالجحيم، سلام ووعيد لا وجود للمقاومة واستبعاد أي دور للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، يريد غزة منزوعة السلاح أمام إسرائيل ومتى لم تكن غزة وحيدة وعارية!، تبدو غزة عارية بالصور التي تُظهر هول المأساة والدمار، ومذبحة لا ندري ما إذا انتهت أو هناك جولات أخرى؟.
إسرائيل يجب أن تحكم الشرق الأوسط، ها هي غزة حطام ورائحة الدم تزكي الأنوف قتل ونفي آلاف الفلسطينيين، وكذلك لبنان حطام تدمير قدرات حزب الله ونزع سلاحه وتغيير واقع لبنان السياسي وترتيب لحكم جديد فيه، سوريا محاصرة والعراق مفكك، بما ينسجم مع رؤية نتنياهو للمنطقة بما يخدم الحلم الإسرائيلي، إلى متى سيطول المخاض الفلسطيني والمخاض اللبناني والمخاض السوري؟!. اخضاع إيران والقضاء على النظام الإيراني وان اضطر الأمر لاستخدام النووي فالخطة جاهزة وتنفيذها مرهون بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، ربط الحروب بشهوات نتنياهو وحرصه على التهرب من العدالة الدولية والبقاء في السلطة.
دول عربية واسلامية وغربية وافقت على خطة ترمب لسبب أساسي "من يجرؤ أن يقول لترمب لا"، عندها سيأخذهم ترمب إلى الجحيم ويذهب إلى خيارات داعمة مطلقة لتنفيذ المهمة بالقوة وإزالة غزة وسكانها بالنووي، خطة ببنود غامضة تتحمل أكثر من تأويل تم تعديلها بما يتوافق والرؤية الإسرائيلية بعد الموافقة العربية والاسلامية عليها قبل الاعلان عنها، لكنها لاقت الموافقة من منطلق دعونا نراقب ما سيتحقق والعمل خطوة بخطوة، فتدمير غزة وابادة شعبها تلقي بثقلها على حكومات الدول العربية والغربية والعالم أجمع دون تحديد زمني لهدنة ووقف لإطلاق النار، لم تكن الخطة الأسوأ أو الأفضل لكنها الخطة الوحيدة لوقف الحرب والقابلة للتنفيذ رغم وجود ثغرات، لا يوجد أي أليات ملزمة سوى حسن النوايا وهي غير موجودة، لماذا لا يكون القرار تحت مظلة الأمم المتحدة يلزم الطرفين بقرار دولي بدل قرار ترمب ولكن ترمب هو العالم؟ الراعي الأساسي ترمب إذن لا مكان للتفاؤل، لا يمكن التحدث عن مستقبل غزة السياسي واعادة الاعمار قبل تحرير الرهائن وهو بيت القصيد، هل ستبقى إسرائيل بغزة بشكل دائم أو تبدأ بالانسحاب، هل سيرحل أهلها؟ لا ضمان حقيقي لوقف الابادة أو إنهاء الاحتلال كل شيء بيد نتنياهو، إسرائيل باقية في رفح حتى حدود سيناء ومع ذلك بقيت الدول مرحبة بالخطة لم ينسحب أي طرف ومن يجرؤ!، القرار الأخير لنتنياهو هو من يقرر وتيرة الانسحاب ويحدد مصير القطاع وإلى من يسلمه وكيف وماذا سيسلم إلى القوات الدولية المقترحة للبقاء!! وجود كوشنر صهر ترمب والخبث البريطاني توني بلير على رأس الخطة يدلي بدلوه، شكل أخر للحصار وشكل أخر للاحتلال.
في لحظة تاريخية الرأي العالمي فيها ضد إسرائيل دول عديدة اعترفت بدولة فلسطينية وإن كانت تحت الانعاش، ترامب يتفادى حتى ولو من بعيد الاشارة إلى الدولة الفلسطينية كشرط لإرساء السلام كون القضية الفلسطينية هي محور الصراع كما هي محور السلام، واليمين الإسرائيلي الذي يقوم على ايديولوجيا الخوف والكراهية لا يمكن أن يقبل بها، هو يريد سلام بالمنطقة بمنظور إسرائيلي "إسرائيل باقية فوق صدوركم إلى الأبد"، فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل وجرائمها وادانتها تنتفض أمريكا وينتفض ترمب، لا دولة بالمنطقة الا دولة إسرائيل الكبرى والهدف بدأ يتحقق، كان ولا يزال الهدف انتصار إسرائيل وانقاذها والسعي للقضاء على خصومها وتحقيق ما فشلت في تحقيقه بالسلاح على مدى عاميين تحرير الرهائن والقضاء على حماس فلابد لهذا الطرف أن ينتهي وينهزم، فك العزلة الدولية الغير مسبوقة عن إسرائيل بعد الحرب وانقاذ نتنياهو المتهم بالإبادة الجماعية.
ردت حماس بالموافقة على مقترح ترمب، وهل تجرؤ؟! عندها اعتراضات على بعض النقاط لكنها لا تتجاوز حفظ ماء الوجه، موقف صعب للغاية تواجهه حماس فالرفض سيجمل وجه إسرائيل دولياً بعد افتضاحه، وستتحمل مسؤولية الابادة وتدمير القطاع برمته، والقبول تكون تخلت عن سلاحها وعن مقاومة الاحتلال والموافقة على الاحتلال الدولي، ولكن ترمب بمنطق الامبراطور ورجل الدولة انتصر وحرر الرهائن وأوعز بإيقاف الحرب فوراً، اذا كان الأمر كذلك فالنهايات ربما تكون سعيدة لاستيعاب جهنم التي وعدنا بها ووقف لطوفان الدم والمحرقة وملئ البطون التي تخوع جوعاً، ترمب لسان حاله أنا الرئيس، أنا أمريكا، أنا العالم، وبهيبتي فعلت ومن يتوقع غير ذلك!!. ترمب يستعد لجائزة نوبل للسلام "فمن العار أن لا يأخذها"، ربما للعار أوجه مختلفة! كما لو أن أمريكا لا تقتل ولا تقاتل الشعب الفلسطيني والعربي وعلى كل الجبهات لتحويل الشرق الأوسط إلى مقبرة؟
أي عار للعالم العربي والاسلامي وحكامه الذين لا مكان لهم في لعبة الأقوياء ولعبة الأمم وهم يدركون مصيرهم "لن تبقوا في عروشكم"، يتسولون السلام من ترمب ونتنياهو ومن غير ترمب يخرجنا من الجحيم وها نحن نستغيث بالقاتل من القاتل، وكأنهم أسياد المنطقة سلبوا خيراتها وقرارها وهويتها، لم يكن العرب بهذا الضعف وكأن القوة العربية التي يمكنها احداث التأثير منعدمة، وهماً من يعتقد أن هناك قوة في العالم تريد لنا العيش بحرية واستقلالية وديمقراطية لأنه ببساطة سوف تفقد أدوات تحكمها وسيطرتها على مقدراتنا وقرارنا ومصائرنا، هي الوصاية الأمريكية أخيراً ومتى لم يكن الشرق الأوسط كله تحت الوصاية الأمريكية.