حرب أشعلها جو بايدن وأجج نارها دونالد ترمب وبنيامين نتنياهو نفذ مراحلها بنجاح عمليات عسكرية مكثفة في جنوب لبنان وجنوب سوريا وقطاع غزة، والآن ترمب ينهي الحرب في غزة ويدعو إلى التفاوض لا لشيء بل رغبة منه لنيل جائزة نوبل للسلام، أليس ترمب صانع سلام أوقف ثمان حروب بعد أن أشعلها! والآن خسر الجائزة ولكنه كسب جائزة ترضية بفوز حليفته المعارضة الفنزويلية ماريا ماتشادو التي تعتبر "نضال فنزويلا هو نضال إسرائيل"، فما هو فاعل بغزة؟ شعارات السلام والتسامح وانهاء ملفات الحروب التي أطلقها ترمب بحملته الانتخابية خدعة، خطة ترمب من أجل غزة هل جاءت لنصرة غزة وهل الابادة أثارت مشاعره!!، لا أحد يدري ما في رأس ترمب وعلى حساب من يريد أن يعقد الصفقة، طبعاً ومن المؤكد ليست على حساب إسرائيل بل على حساب الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وكل الشعوب العربية، الجديد في السياسة الأمريكية هو الغدر السياسي المتجسد في شخصية ترمب حين كانت إيران في سقفها العالي التفاوضي تم قصف منشأتها النووية ثم قصف قلب قطر الحليف القوي لواشنطن، الآن بدأت مرحلة جديدة في الشرق الأوسط والأحداث ستكون متسارعة وغير منتظمة وكل يوم سيكون هناك حدث، انقلب الصراع لنظرية اليوم التالي حول سلام الشرق الأوسط ومستقبل غزة والانسحاب الإسرائيلي منها والمدة الزمنية للتنفيذ والمساحات التي سيبقى بها الجيش الإسرائيلي ملفات يلفها الغموض، وحين تتغير المنطقة كيف لا تتغير غزة المنكوبة انسانياً.
صفقة ترمب بمتاهات لغوية ودبلوماسية تخفي وراءها غموض لنبقى داخل اللعبة الأمريكية والإسرائيلية، تغيرت المعادلة لأن العملية بحد ذاتها انقلبت من لعبه أمريكية لتفريغ غزة من سكانها وترحيلهم إلى مصر وسورية ولبنان والأردن أو ربما إلى الجحيم، إلى الاحتلال الأمريكي المباشر لغزة والمحتل الجديد لن يهجر أحد قسراً من القطاع ولكن غزة لا تملك أي مقومات للحياة ولن يكون هناك اعادة اعمار في المنظور القريب فتم الانتقال من سيناريو التهجير القسري إلى باب الهجرة الاختيارية، ستتم المرحلة الأولى والافراج عن الرهائن دفعة واحدة ولكن غزة ذهبت من احتلال إسرائيلي إلى النفوذ الأمريكي على هيئة مجلس سلام دولي يترأسه ترمب وطوني بلير المندوب السامي فيه إلى أن تصلح السلطة الفلسطينية ذاتها، بمعنى لا دور سياسي للسلطة ومنظمة التحرير ربما دور شكلي، ولا دور سياسي للعرب بل انساني فقط اعمار ومساعدات انسانية، وأمريكا ستحكم غزة بأدوات فلسطينية وعربية حيث النفط والغاز والقواعد الأمريكية بدأت تنتشر فيها وواشنطن أرسلت 200 جندي أمريكي ربما للاستجمام! والمخاوف عند بسط النفوذ السياسي والعسكري الدولي "الأمريكي" مما يمنح إسرائيل فرصة للضم والقضم من الأراضي الفلسطينية برغم التصريحات الأمريكية التي لا تسمح بضم الضفة، فماهي جائزة نتنياهو بعد استيلاء أمريكا على غزة؟
ترمب ينقذ إسرائيل بعد أن وصلت إلى ذروة المتاهة بعد سنتين من القتال ولم يتحقق أياً من أهدافها الاستراتيجية سوى مزيد من القتل والتدمير، إسرائيل أدركت أنها لن تستطيع القضاء على المقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها ولن تستطيع القضاء على الشعب الفلسطيني وتهجيره، وترمب أدرك دون وقف الحرب في غزة كل شيء هش، ربما ينفجر الصراع المتسلسل يؤكده ما حدث في لبنان وما إيران وسوريا واليمن مما يحول الصراع إلى صراع اقليمي تكون فيه إسرائيل بخطر، فكل المبادرات السابقة لم تصل إلى شيء لأن السلطة السياسية لا تريدها "مدفوعة بعقيدتها التوراتية التوسعية بطرد الفلسطينيين من غزة والضفة لا بل سحقهم"، استمرار المأساة الانسانية الملف الأكثر خطورة والضغط الأوروبي ملف المختطفين الذي بات يشكل ضغطاً كبيراً على نتنياهو، أهالي المختطفين ينتقدونه فمن المفترض أن يعقد صفقة في وقت سابق تجنب قتل واصابة جنود إسرائيليين أو تهديد حياة الرهائن أو حتى زيادة عزلة إسرائيل الدولية، حلم إسرائيل الكبرى يكاد يتلاشى مع موجات الهجرة العكسية والاقتصاد المنهار والضغط السياسي من المعارضة التي تسعى لإسقاطه من الداخل ليس هناك مبرر لمزيد من القتل والتدمير، الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية اللذان يؤيدان وقف الحرب، كل ذلك شكل ضغطاً كبيراً على نتنياهو بضرورة انهاء الحرب، نتنياهو رجل مرحلي يأخذ ماله ولا يعطي ما عليه، ثبت ذلك في كل تعاطيه سواء مع الداخل الإسرائيلي أو الدول العربية.
نتنياهو المنتشي بالنصر اليوم أسير لمجموعة من السرديات السياسية الكاذبة التي قام ببنائها في الفترة الماضية "كسرنا محور إيران، وغزة ستكون بلا سلاح، وسنعيد الرهائن"، هذه أهم منجزات حرب نتنياهو التي دامت سنتان استخدم فيها كل أنواع الأسلحة وبتكلفة باهظة جداً، محاولة منه لإقناع الداخل الإسرائيلي أنه حقق أهداف الحرب المعلنة, نتنياهو يعتبر صفقة ترمب تحقيقاً لأهداف إسرائيل بإقامة إسرائيل الكبرى والذي يتعارض مع السلام الابراهيمي الترمبي، لا شك أن الخطة تخدم الرؤية التوراتية لم نسمع أي تصريحات عن دولة فلسطينية أبداً وهي مفتاح الحل، لكن لا مانع من مسار سياسي يؤدي إلى دولة فلسطينية "شكلها أكبر من حكم ذاتي وأقل من دولة", صحيح أن الصفقة أوقفت القتل ولكن مصير الدولة الفلسطينية ما يزال مجهولاً، فإسرائيل ليست دولة باحثة عن السلام.
نتنياهو يعد العدة لمشهد عسكري في المنطقة قد تكون الوجهة إيران أو لبنان ويكرر سيناريو لبنان في غزة يبقي على مسار القصف والتبرير لهذا المسار، وشن هجوم على الضفة بحجة القضاء على فلول حماس بعد اتمام المرحلة الأولى، والخطر الحقيقي أن يكون هناك تفاهمات أمريكية إسرائيلية حول ضم الضفة الغربية كما حدث في غزة، وسقوط بند 21 في ورقة ترمب في المؤتمر الصحفي بمنع ضم الضفة الغربية مؤشر خطير على أنه ضوء أخضر لنتنياهو لضم الضفة التي تعتبر هدية لسموتريش وبن غفير.
بعد وقف إطلاق النار غزة تنهض لا كمدينة نجت بل كفكرة انتصرت، الادارة الأمريكية جادة لتنفيذ الاتفاق بصورة الرئيس الأمريكي ووجود ترمب شخصياً ضروري لضمان نجاحه وافشال أي محاولة للتملص، فالصيد ثمين تم الاستيلاء على غزة لنبقى داخل اللعبة الأمريكية والإسرائيلية. لك الله ياغزة.