اتساع جغرافية التعاطف الشعبي الدولي مع فلسطين وشعبها المكلوم؛ كان من أهم تداعيات عمليات الإبادة الجماعية التي قام بها الجيش الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وكم الافواه في الداخل المحتل واستشهاد وجرح واسر عشرات الآلاف وتغيبهم في غياهب السجون وزنازين المحتل الصهيوني وخاصة من الاطفال على مدار العامين المنصرمين. ويعتبر ذلك خطوة هامة وجوهرية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين ويعزز ذلك الاعتراف العريض لدول العالم بالدولة الفلسطينية.
الإبادة الجماعية قبل إنشاء العصابة
أكدّ رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق مناحيم بيغن في مذكراته "بأن المنظمات الصهيونية العسكرية قد قامت بطرد العرب وهي التي نظمت عملية القتل والطرد والاغتيال". ولهذا يمكن الجزم بأن عمليات الاغتيال والمجازر الصهيونية وعمليات الابادة الجماعية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية الهاغانا والشتيرن والارغون، وبعدها جيش العصابة إسرائيل؛ إنما هو نهج مخطط له مسبقاً لطرد الفلسطينيين واحتلال وطنهم فلسطين وتهويدها بعد ذلك.
لم تغب عن الذاكرة الإنسانية آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين الذين سقطوا نتيجة المجازر الصهيونية المستمرة قبل إنشاء دولة الاحتلال الصهيوني. فبينما كان عرب فلسطين غير مستعدين للحرب على الإطلاق وغير مسلحين في غالب الاحيان، وفي وضع دفاعي، قامت العصابات الصهيونية: الهاغانا والارغون وشتيرن، بأعمال هجومية منسقة ضد المدنيين العرب في المدن الرئيسة الثلاث، حيفا، والقدس، ويافا، وكذلك في الريف الفلسطيني، ونفذت المجازر المنظمة وتدمير المنازل. وتقدر دراسات بأن عدد الشهداء الفلسطينيين نتيجة المجازر الصهيونية اثناء فترة الاحتلال البريطاني وحتى الخامس عشر من أيار/ مايو 1948، قد بلغ (30) ألف شهيد فلسطيني، كما تمّ تهجير (850) ألف فلسطيني.
وتوجت عمليات الإرهاب والمجازر الصهيونية ، بقتل الوسيط الدولي السويدي "الكونت برنادوت" في القدس في 18/9/ 1948، على يد العصابات الصهيونية ،وكان من بينهم الإرهابي رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحاق شامير، وذلك لأن الوسيط الدولي حمّل في تقريره الذي رفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16-9-1948 دولة الاحتلال الصهيوني المسؤولية السياسية عن بروز قضية اللاجئين الفلسطينيين ، وأكد أن أي تسوية لا يمكن ان تنجح من دون عودتهم إلى ديارهم ؛وبناء على تقريره، صوتت الجمعية العامة على القرار (194) بتاريخ 11/12/1948 الداعي إلى حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم في أقرب فرصة ممكنة.
الابادة بعد إنشاء العصابة
استمرت فصول الإرهاب والمجازر الصهيونية المنظمة ضد الشعب الفلسطيني ، فمن اقتلاع الأشجار واحتلال الأرض الفلسطينية واغتيال البيئة الفلسطينية، إلى القتل والطرد والإبعاد وصولاً إلى الاعتقال وزج الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الصهيونية ؛ وتشير معطيات إلى أنه نتيجة تلك السياسات الصهيونية سقط منذ إنشاء دولة الاحتلال الصهيوني وحتى عام 2025 (180) ألف شهيد فلسطيني منهم 30 في المائة خلال العامين الاخيرين، فضلاً عن اعتقال مليون ومائة الف فلسطيني منهم المئات من الأطفال والنساء والشيوخ ؛ وقد استشهد المئات منهم تحت العذيب. ولم تكن المجازر الصهيونية محصورة في فلسطين فقط ، بل تعدتها إلى الدول العربية الأخرى، وكان من أهم فصولها قصف الطيران الإسرائيلي لمنطقة قانا في جنوب لبنان في نيسان / ابريل من عام 1996 ، حيث استشهد على إثرها (100) من النساء والشيوخ والأطفال اللبنانيين، وذلك في مقر لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني، وقد حصل ذلك على مسمع ومشاهدة العاملين في القوات الدولية ، فضلا عن ذلك ارتكب الموساد والجيش الصهيوني اغتيالات عدة داخل فلسطين، ناهيك عن الاغتيالات المنظمة للعديد من السفراء والمثقفين الفلسطينيين والعرب في دول عربية وغربية . وقد أكدت منظمات دولية ودول وشخصيات عالمية وازنة بأن عصابة إسرائيل ارتكبت عمليات ابادة جماعية بحق الفلسطينيين مكتملة الاركان.
حملة دولية
يؤكد المتابعون للقضية الفلسطينية بأن عمليات الإرهاب والاعتقال والاغتيالات والمجازر الصهيونية وعمليات الابادة الجماعية التي ارتكبت وتركب على مدار الساعة بحق الشعب الفلسطيني منذ إنشاء دولة الاحتلال، لم تكن مجرد صدفة أو ردة فعل؛ بل هي جزء من العقيدة والعقلية الصهيونية ؛ وتبعاً لذلك يمكن التأكيد والجزم بأن عملية اقتلاع القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني لم تكن صدفة تاريخية، بل قامت بها الحركة الصهيونية ووليدتها العصابة المنفلتة اسرائيل بدعم غربي واضح المعالم؛ وذلك بغية التحضير لعمليات الترحيل واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم؛ وكان العنوان الابرز من اجل التنفيذ ارتكاب المجازر باعتبارها من أهم وسائل الارهاب، التي يمكن استخدامها لإثارة الرعب بين السكان العرب وترويعهم وبالتالي حملهم على الرحيل.
ولهذا باتت الضرورة تتطلب بعد أكثر من سبعة وسبعين عاماً ً على إنشاء الدولة العصابة، العمل الفلسطيني الدؤوب المدعوم عربياً ومن دول وشعوب في جهات الارض مناصرة للحق الفلسطيني بغرض إطلاق حملة دولية ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين؛ واقتيادهم الى المحاكم الدولية بغية نيل العقاب عن جرائمهم وعمليات الابادة الجماعية التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني.