من سيحكم القطاع في اليوم التالي؟ من سيشرف على الأمن؟ كيف ستبدو خريطة التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط؟ بينما يبقى وقف النار في قطاع غزة ساري المفعول، تجري اتصالات مكثفة من خلف الكواليس تمهيداً للمرحلة التالية من خطة ترامب: إقامة قوة أمن إقليمية تدخل إلى غزة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي وتشكل جهة الإشراف المركزية في الفترة الانتقالية ما بعد الحرب.
يدور الحديث عن أحد العناصر الأكثر حساسية وتعقيداً في الخطة العامة لإعمار القطاع، وسيكون في مركز المباحثات في مؤتمر السلام الذي يفتتح في شرم الشيخ اليوم. هدف القوة هو منع عودة حماس إلى الحكم، والسماح باستقرار أمني على الأرض وتمهيد التربة لحكم فلسطيني جديد يقام بعد فترة انتقالية تشرف عليها هيئة دولية.
وحسب المبادرة التي وضعها البيت الأبيض، فإن القوة التي ستتشكل ستكون قوة عربية متعددة الجنسيات، تعمل بتنسيق مع الولايات المتحدة لكنها لن تتضمن جنوداً أمريكيين. ستقدم واشنطن الإشراف الاستراتيجي، والدعم اللوجستي والمساعدة التكنولوجية، لكنها ستمتنع عن مرابطة قوات على الأرض.
في مركز الخطة مصر والأردن اللتان ستتصدران الخطوة وتجندان قوة شرطية فلسطينية محلية من بين سكان القطاع، يتم تأهيلهم بإشراف أمني مصري – أردني. هذه عملياً تجربة غير مسبوقة – خليط من قوة عربية معتدلة مع انتداب دولي يستهدف تثبيت الاستقرار في القطاع ومنعه من أن يصبح مركزاً لمواجهة مسلحة.
يتبين أحد الخلافات الأهم في المباحثات التي تجرى في الأيام الأخيرة – هوية الدول التي ستشارك في القوة. فحسب المصادر المطلعة على المباحثات، أعربت إسرائيل عن الاستعداد لمشاركة دول الخليج المعتدلة، ومنها الإمارات، وقطر والبحرين، رغم أن ليس لها قوة عسكرية ذات مغزى لترابط في الميدان. من ناحية إسرائيل، فإن وجود هذه الدول في غزة كفيل بأن يمنح شرعية إقليمية للخطوة ويضمن استثماراً اقتصادياً مستقبلياً في إعمار القطاع. ويقول مصدر إسرائيلي مطلع على الأحداث إن “مساهمتها ستكون أساساً سياسية واقتصادية. لكنه حضور قد يبث الاستقرار”.
ومع ذلك، أوضحت “القدس” [تل أبيب] بأنها تعارض مشاركة تركيا في القوة. وتنبع المعارضة من مواقف أنقرة الحادة تجاه إسرائيل، ومن دعم علني منحته لحماس، ومن العلاقات الأيديولوجية الوثيقة بين حكم أردوغان وحركة الإخوان المسلمين.
“لن تكون تركيا جزءاً من جسم هدفه نزع سلاح حماس”، يقول مصدر إسرائيلي. “حضور تركيا سيقوض الخطوة كلها”. في مصر أيضاً يتحفظون من الفكرة خشية من محاولة تركيا إعادة تثبيت النفوذ في منطقة ترى فيها مصر جزءاً من مجال مسؤوليتها الأمنية.
كما تتضمن خطة ترامب إقامة سلطة دولية مؤقتة تسمى “المرجعية الدولية المؤقتة في غزة”. وستتشكل من تكنوقراطيين فلسطينيين يديرون الشؤون اليومية، لكنها تكون خاضعة لرقابة هيئة دولية مدنية تنسق سياقات الإعمار، والمساعدة والتنسيق السياسي. سيكون على رأس هذا الجسم مندوب غربي كبير، وذكر اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير كأحد المرشحين للمنصب. وستعمل القوة الدولية على استقرار الحكم المؤقت وتشرف على ترتيبات الأمن.
وحسب الخطة، ستنسحب إسرائيل تدريجياً من معظم أراضي القطاع، لكنها ستحافظ على سيطرة ضيقة على طول الحدود وعلى منطقة الفصل في محور فيلادلفيا – ما لم ينزع سلاح حماس تماماً. تطالب حماس بوعد صريح لخروج كل القوات الإسرائيلية من القطاع قبل ذلك.
وحسب مصادر غربية مطلعة على المباحثات، ثمة تسوية قيد الفحص تسلم حماس في إطارها سلاحها الثقيل للجنة فلسطينية – مصرية، تشرف على عملية نزع السلاح بشكل تدريجي ومضبوط، لكن لم يتحقق بعد اتفاق نهائي في ذلك. تتابع إسرائيل التطورات عن كثب. ويقول مصدر أمني إن “فكرة قوة دولية عربية أمر إيجابي، لكنها لن تعمل إذا واصلت حماس حيازة السلاح أو تكون لها أي مكانة سياسية. التفكيك المطلق وحده قد يسمح بالاستقرار.
كل المسائل التي تتعلق بمستقبل غزة ستوضع اليوم على طاولة المباحثات في مؤتمر شرم الشيخ، الذي سيشارك فيه أكثر من 20 زعيماً من العالم العربي والغربي، بقيادة ترامب والرئيس المصري السيسي. سينشغل المؤتمر باستكمال تسوية وقف النار، وإعمار القطاع، وبلورة التفاهمات حول انتشار القوة الإقليمية. بالنسبة لترامب، هذا اختبار زعامة دولية مهم للغاية – محاولة لعرض إنجاز دبلوماسي ملموس في الشرق الأوسط. وتراه مصر فرصة للعودة إلى مكانة وسيط مركزي.
لكن فوق كل شيء، سيقرر المؤتمر صورة غزة في السنوات القريبة القادمة – هل ستصبح مجالاً يدار ويشرف عليه دولياً ويحظى بالاستقرار، أم ينزلق مرة أخرى إلى وضع من الفراغ السلطوي الذي يعيد المنطقة إلى نقطة البداية؟ ما يبدو على السطح كمخطط أمني وإداري وفني، هو عملياً صراع على إعادة تعريف المنطقة كلها. إسرائيل تسعى للحفاظ على سيطرة أمنية كي تحقق الحد الأقصى الممكن في المفاوضات على استمرار تنفيذ خطة ترامب. أما حماس فتسعى إلى البقاء سياسياً وعسكرياً وأيديولوجياً، أما الولايات المتحدة والدول العربية فتحاول بناء جسر مستقر بين مطالب الطرفين والواقع.
إن نجاح المبادرة منوط ليس فقط بتشكيلة القوة وبهوية المشاركين فيها، بل أيضاً بقدرة كل واحد من اللاعبين وأساساً إسرائيل، على الإيمان بأن من يدخل إلى غزة هذه المرة، يمكنه البقاء أيضاً.
معاريف