مقالات مختارة

كيف يبدو ازدراء الإسرائيليين لـ “نتنياهو والمتعاقدين مع هتلر” مؤشراً على الانتخابات المقبلة؟ | عاموس هرئيل

 

 

 

على عتبة تحرير المخطوفين الأحياء، يصر اليمين على تكرار أخطاء الماضي فيما يتعلق بقطاع غزة. في نهاية كل جولة قتال مع حماس، في الأعوام 2014 – 2021، من أبرزها عملية “الجرف الصامد” و”حارس الأسوار”، ادعت حكومات الليكود والجيش الإسرائيلي أن إسرائيل كانت هي المنتصرة، وأن حماس قد خرجت من المواجهة مردوعة ومتعبة وضعيفة. لكن الحقيقة كانت بعيدة عن ذلك، وتم كشفه في عيد نزول التوراة قبل سنتين في الهجوم الإرهابي في 7 أكتوبر. 

تبين أن حماس لم تتفاجأ من نتائج الجولات السابقة – لقد كانت قريبة أكثر من التعادل السلبي، لكنها استنتجت من ذلك بأنه يمكنها تحقيق المزيد. بعد عملية “حارس الأسوار”، حيث تفاخر الجيش الإسرائيلي بالقصف العبثي للميترو – شبكة أنفاق قيادة المنظمة الفلسطينية، استنتجت غزة أنه يمكن رفع الاستعداد إلى درجة هجوم شامل، يؤدي إلى هزيمة فرقة غزة واحتلال الغلاف. نجح الرهان، وفشل لاحقاً. اقتحمت حماس الغلاف بأعداد كبيرة، وهزمت القوة المدافعة، في الطريق لارتكاب مذبحة فظيعة في البلدات. ولكن الثمن الذي دفعته غزة بعد ذلك كان باهظاً – تدمير ممنهج لمعظم المناطق المأهولة في القطاع على يد الجيش الإسرائيلي، وقتل معظم قادة حماس الكبارو وقتل غير مسبوق – حوالي 67 ألف شخص، حسب تقدير إسرائيل 20 ألف شخص من أعضاء حماس. يتوقع كشف جثث كثيرة تحت الأنقاض في الأيام القادمة.

الآن يكرر من يؤيدون نتنياهو نفس الخطأ. ترامب فرض على الطرفين وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، عندما يئس من مناورات نتنياهو وشعر أن استمرار القتال لفترة زمنية طويلة ستعرض المصالح الأمريكية في المنطقة للخطر. انتهت الحرب كما يبدو، لكن لا يجب الاستنتاج بأن إسرائيل حققت النصر المطلق على حماس. فحماس، مثل إسرائيل، وصلت إلى نقطة لم يكن بالإمكان الاستمرار في إغضاب الأمريكيين، كما أن كل دول الحماية في المنطقة (قطر، مصر ومؤخرا تركيا) ضغطت من أجل إنهاء الحرب. 

حماس ربطت استعدادها لإطلاق سراح جميع المخطوفين وجثامين الإسرائيليين، حتى لو لم يكن مقابل الانسحاب الفوري والكامل لقوات الجيش من القطاع، بإعطاء ضمانات أمريكية. هذا ما حصلت عليه في الأسبوع الماضي، بتعهد شخصي من الرئيس ترامب. من يعتقد أن هذه مجرد وعود فارغة سيخيب أمله. إذا صممت حماس على استئناف الاحتكاك العنيف مع الجيش الإسرائيلي والعودة بسرعة إلى بناء قوتها العسكرية وإفشال نشر القوة متعددة الجنسيات في غزة، فسوف تعطي واشنطن ضوءاً أخضر لإسرائيل لاستئناف الحرب. ولكن على أقل من ذلك، من المرجح أن يضغط الأمريكيون على نتنياهو بأن يضبط نفسه، لا سيما إذا نجحوا في إقناع الدول العربية والإسلامية بإرسال رجالها إلى المنطقة. 

يبذل أتباع نتنياهو جهوداً يائسة لتجاهل جزء كبير مما يحدث في الفترة الأخيرة. يجدر الانتباه إلى ما يوجد وما لا يوجد في الاتفاق الحالي. اليمين المسيحاني ونصف أعضاء الكنيست من الليكود، رددوا في السنة الأخيرة بحماسة الحلم الذي لا أساس له (غير الأخلاقي)، بطرد جماعي من غزة، وإعادة استيطان إسرائيلي. هذا لا يحدث. وزراء ومراسلون تحدثوا عن حكم عسكري في القطاع – وهذا أيضاً لا يحدث. تدمير حماس؟ القوة العسكرية لهذه المنظمة تضررت بشدة، والتهديد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية انخفض، لكن رجال حماس يستعرضون في الأيام الأخيرة حضوراً مسلحاً في أرجاء القطاع. من المرجح أن جهوداً منهجية ستبدأ قريباً للمس بعائلات محلية تعاونت مع إسرائيل. في نهاية الأسبوع الماضي، أعدمت حماس 15 شخصاً من أبناء عائلة دغمش. ومشكوك فيه أن تستطيع حماس أو أنها تريد استعادة السيطرة على القطاع في هذه الأثناء، لكنها قد تكون الجهة التي ستزعج البديل في التطور. ما زلنا نذكر كيف يتم فرض الرعب هناك. 

الأمر لا ينتهي هنا. فعلى الطاولة أموال كثيرة وطموحات كثيرة. يبدو أن ترامب الذي سيواصل طريقه اليوم إلى مؤتمر إقليمي في شرم الشيخ، يسعى إلى طرح اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية من جديد، إضافة إلى إطلاق مشاريع ضخمة لإنشاء بنى تحتية وتكنولوجية وسلاح، التي ستفيد الولايات المتحدة وعائلة ترامب. ولكن حتى تتجنب السعودية ذلك فالمطلوب كما يبدو رسم خريطة طريق مبدئية في الساحة الفلسطينية تشمل إعطاء دور للسلطة الفلسطينية. الآن، السلطة مشاركة من وراء الكواليس في المصادقة على هوية الأعضاء في مجلس التكنوقراط الذي سيدير القطاع. يظهر في الخلفية تدخل متزايد لمصر وتركيا وقطر فيما يحدث. في حين أن مبادرة السعودية – فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفرت الدعم لخطوات ترامب. 

نتنياهو يؤكد، إلى جانب تحرير كل المخطوفين الأحياء، على بقاء الجيش الإسرائيلي على طول الخط الأصفر في الخرائط، والسيطرة على 53 في المئة من أراضي القطاع. الوزير سموتريتش الذي يبحث عن ذرائع للبقاء في الحكومة، صوت ضد الاتفاق، وقال أمس بأنه سيبقى من أجل الرقابة على نزع سلاح حماس؛ هذه رواية يبيعها للقاعدة. فعلياً، الأمريكيون قد يضغطون على إسرائيل لتواصل الانسحاب حتى قبل إعادة كل الجثث. مكان وجود عدد من الجثث غير معروف، ويبدو أن هناك إغراء لحماس لإخفاء حقائق ومواصلة استخدام الجثث كورقة مساومة في وقت تطبيق الاتفاق. احتمالية نزع سلاح حماس مشكوك فيها – في المقابل، بقيت في الاتفاق عناصر لتحويل النزاع إلى نزاع دولي، التي لم تتم مناقشتها عندما وضعت خطط مصالحة سابقة على الأجندة منذ انهيار صفقة المخطوفين الأولى في كانون الأول 2023. بكلمات أخرى، لم تضع فرصة استكمال الصفقة في الماضي فحسب، بل ربما كانت الشروط أفضل لإسرائيل. في هذه الفترة قتل عشرات المخطوفين المحتجزين لدى حماس، وقتل في المعارك مئات جنود الجيش الإسرائيلي وأصيب الآلاف. مواصلة حماس احتجاز المخطوفين في الأنفاق في هذه الفترة، مكنتها من الحفاظ على جزء كبير من نقاطها الاستراتيجية في مدينة غزة وفي مخيم الوسط، لأن إسرائيل قللت القصف نسبياً هناك. 

إن مشاهد مئات آلاف الغزيين الذين يعودون الآن إلى مدينتهم المدمرة عقب وقف إطلاق النار، يتم عرضها كانتصار للصمود، والتمسك الفلسطيني الشعبي بالأرض. هذه إصبع في عين طموحات سموتريتش وأمثاله من دعاة التطهير العرقي في القطاع. لكن مع هذا الإنجاز المعنوي، لا يمكن الذهاب إلى البقالة. السؤال الحاسم هو: هل ستتدفق إلى القطاع مليارات الدولارات الموعودة لمشاريع إعادة الإعمار – الأمر يتعلق بتشكيل سريع للقوة متعددة الجنسيات. 

الخطوة الحاسمة التي أدت إلى إنهاء الحرب، التي كتب عنها في السابق، هي قرار ترامب فرض الاتفاق على الطرفين عقب الهجوم الإسرائيلي الفاشل في قطر. وقد ساهم في ذلك أيضاً الضغط العسكري الإسرائيلي. يبدو أن قيادة حماس في غزة أرادت إنهاء الحرب وهي على قيد الحياة، ولم تتمكن من تجاهل معاناة الغزيين إلى الأبد. 

في بداية الحرب، نشرت مقابلة سئل فيها موسى أبو مرزوق، من كبار قادة حماس الخارج، لماذا لا تفتح حماس الأنفاق في غزة أمام الجمهور لحمايتهم. راوغ وتملص، لكنه لم يتعلم الدرس. في نهاية الأسبوع الماضي، أجرى مقابلة مع قناة مصرية، وسئل فيها: هل أدت المذبحة إلى تحرير الشعب الفلسطيني؟ وقد غادر الأستوديو بغضب احتجاجاً على هذا السؤال. حماس أيضاً لا يمكنها الاحتفال بالانتصار. كانت هذه بالنسبة للفلسطينيين في غزة بالتأكيد كارثة كبيرة ونكبة ثانية. 

        إظهار الضعف 

مع ذلك، لم يكن الاتفاق فقط أمراً واجباً بسبب الأمريكيين، بل ضرورة من ناحية إسرائيل. كان يجب أن تنتهي الحرب. المجتمع الإسرائيلي متعب ومنقسم. هذه ليست أموراً يمكن التغلب عليها خلال سنة صاخبة يتوقع إجراء انتخابات في نهايتها. ولكن على الأقل، سيلتئم الجرح عند إعادة الـ 48 مخطوفاً من القطاع. 

مثير للاهتمام أي انطباع تركته الزيارة هنا لليهود الأمريكيين الثلاثة مبعوثي ترامب، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر وزوجته المتهودة إيفانكا ترامب. كرس معظم الانتباه لخطاباتهم في منتهى السبت في ميدان المخطوفين، وهتافات الاحتقار العالية للجمهور عندما تجرأ ويتكوف على شكر نتنياهو. ولكن الرجلين تمكنا من المشاركة في جلسة الحكومة التي تمت مناقشة الصفقة فيها. بالنسبة للوطني الفخور، نتنياهو، فإن إسرائيل تتصرف كدولة رعاية للولايات المتحدة. 

أجزاء من الزيارة الحالية ظهرت وكأنها قصة خيالية عن رحلة قام بها مسؤولون في الحكومة الروسية لبلدة يهودية في مقاطعة نائية وفقيرة في عهد القيصر. وقد ورد بالفعل من الجلسة أن بن غفير، الذي صوت ضد الصفقة (مع ذلك، مثل سموتريتش، لا ينوي الاستقالة)، سأل الاثنان إذا كانا سيعقدان مصالحة مع هتلر. لغة وزير الأمن القومي الإنجليزية كانت ركيكة جداً، إلى درجة أنه تم تجنيد الوزير رون ديرمر من أجل الترجمة. ووزير الاقتصاد نير بركات، قال في الجلسة إن الصفقة ستتيح فرصة لإعادة بناء الاقتصاد، وأعرب عن أمل ساذج بدرجة ما، وقال إن هناك إمكانية لتقليل الكراهية وإعادة بعض الأشخاص الذين كانوا غاضبين منا أثناء الحرب. 

مشكوك فيه أن يكون نتنياهو قد استمع. عندما تحدث رئيس الوزراء، ذكر ليس أقل من سبع جبهات ما زالت إسرائيل تخوض الصراع معها، والثامنة هي الجبهة الداخلية. وكان لنائب الوزير الموغ كوهين أيضاً إسهام في النقاش، وقد أعرب عن أسفه لغياب رئيس “الشاباك” الجديد دافيد زيني عن الجلسة، وقال إن مهمته الأساسية الآن ستكون مكافحة الاحتجاجات. يعتقد كوهين أن “الشاباك” والشرطة بحاجة إلى حزم أكبر في الشوارع، حسب تعبيره. واشتكى قائلاً: “زملائي من ضباط الشرطة يتم تكبيلهم”. 

تفسير التصفيق للخطباء الأمريكيين في ميدان المخطوفين مقابل احتقار نتنياهو عندما ذكر اسمه، أمر مبرر. الحديث هنا لا يدور فقط عن كراهية سياسية عمياء. غضب عائلات المخطوفين والكثير من النشطاء يرتبط بسلوك نتنياهو، وعائلته ومحيطه، طوال الوقت. حرص نتنياهو على وضع شارة المخطوفين الصفراء على بدلته، لكنه بالفعل أظهر عدم اهتمام وشفقة تجاه العائلات التي لم تكن متماهية معه سياسياً. ويتكوف والزوجان كوشنر، عرفوا كيفية التعبير عن التماهي والشفقة. لا سبب لتوقع تغيير نظرة العائلات تجاه نتنياهو، في الوقت الذي يفرض عليه ترامب الاتفاق. ومن يرفض تحمل أقل قدر من المسؤولية عن الكارثة الضخمة التي حدثت في عهده، لا يمكنه المطالبة الآن بالهتافات على إنجازه. 

ما يجب أن يقلق نتنياهو هو الطريقة التي سيستقبل فيها هذا الحدث في واشنطن. تكرر وسائل الإعلام الأمريكية الادعاء القائل بأن الإسرائيليين ليسوا هم حكومتهم، نصفهم على الأقل يتحفظون منها. السؤال هو: هل ترامب الذي يصف نفسه بأنه يكره الخاسرين، سيعتبر هذا الحدث مظهراً لضعف نتنياهو أم سيعانقه في الكنيست؟ في كل الحالات، قبل لحظة من عودة المخطوفين، ظهر الاحتقار في الميدان كنقطة تأسيس قبل سنة الانتخابات.

 

 

 

عن هآرتس

 

 

 

Loading...