ماذا بعد غزة؟ فنزويلا !!

 

 

 

أينما يكون النفط والغاز تولي أمريكا وجهها تجيد خلق الأزمات هنا وهناك وتجيد ادارتها للسيطرة على منابع الطاقة فهذه أمريكا لا امبراطورية تشبهها ولا امبراطورية قبلها ولا بعدها، بعد تدمير غزة بالكامل فُرض السلام الترمبي في الشرق الأوسط وتتويج نتنياهو سيداً عليه هناك موال للإمبراطور ترمب يصدح به "لما الدفاع فيما يمكننا الهجوم" بعد تغيير وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، وبالبند العريض "أنا أمريكا أنا العالم" السيطرة الأمريكية المطلقة اقليمياً وعالمياً وتثبيت قيادتنا للعالم كقطب أوحد وعرقلة تقدم أي منافس، فنحن أمام حالة أمريكية تعبر عن المسار الجديد لاستراتيجية الدولة العظمى الخارجية في عدة ملفات لمواجهة خصومها, لم تكن فنزويلا بمنأى عنها، فهل بدأت أمريكا فتح حرب كبرى في حديقتها الخلفية ستبدأ من فنزويلا بعد أن باتت الصين أكبر شريك تجاري لأمريكا اللاتينية وهو ما ترفضه أمريكا؟؟، فنزويلا وما تملك من موقع استراتيجي وثروات طائلة من النفط واليورانيوم خروجها من الحظيرة الأمريكية، وسياسة ارث تشافيز التي يقودها مادورو جعلها ند أمريكي، ومؤخراً حصول معارضة فنزويلية على جائزة نوبل وما لها من دلالة سياسية تتماشى مع ما تسوقه أمريكا للتدخل في شؤون الدول بقلب أنظمتها بالقوة للسيطرة على ثرواتها الضخمة، فنزويلا باتت دولة مارقة خرجت عن طاعة المجتمع الدولي واقترب يوم الحساب بتكرار السيناريو العراقي.

ترمب رجل السلام الذي فشل في نشره بحاجة إلى نصر سريع والاطاحة بمادورو سيكون نصراً سريعاً بغض النظر عن العواقب، يتوعد ويواصل الضغط على فنزويلا بعد نشر قوة بحرية في البحر الكاريبي مدمرات وصواريخ توماهوك وغواصة نووية وطائرات استطلاع أهدافها المعلنة القضاء على شبكات المخدرات والارهاب عبر الكاريبي لكن الرسائل السياسية الموجهة لا يمكن اغفالها، فضمن خطط سابقة أنشأت أمريكا قواعد عسكرية لها في منطقة اسيكويبو الحدودية الغنية بالمعادن والنفط بين فنزويلا وغويانا التي تطالب فنزويلا بالسيادة عليها وباتت جزءاً من الصراع الاقليمي في أمريكا اللاتينية الذي رأت فيه موسكو تكرار للسيناريو الأوكراني "كما أعدوا أوكرانيا ضد روسيا فإنهم يعدون غويانا" صراع تؤججه أمريكا لمواجهة النفوذ الصين والروسي في المنطقة وإيصال رسائل إلى إيران الداعمة لنظام مادورو، ولكن مادورو ولائه روسي ولايزال يرى فيه مصدر أمان في حال أصبح الوضع السياسي والاجتماعي في بلاده خطير للغاية. 

تملك فنزويلا ربع الاحتياط العالمي من النفط والغاز كانت تنتج 3,2 مليون برميل يومياً في 2008 وتعد أحد أهم مصدريه، وكانت تعتبر من أكبر اقتصاديات دول أمريكا اللاتينية انتقلت بفضل "النهج التشافيزي" من إحدى أفقر دول القارة الأمريكية اللاتينية شعبياً واجتماعياً إلى واحدة من أفضل الدول الديمقراطية فيها، أقدم الرئيس تشافيز على إنجاز الكثير من التحولات الاقتصادية والاجتماعية أحدثت تغييراً جذرياً في المجتمع لصالح الطبقات والفئات الأوسع انتشاراً، "التمتع بالحقوق والحريات لكل المواطنين وعدم التمييز على أساس العرق والجنس والعقيدة، كذلك التوزيع العادل للثروات الوطنية"، إقرار قانون الضمانات الاجتماعية الواسعة ومحو الأمية تماماً من البلاد، هذه التحولات رافقها إنشاء الحزب الاشتراكي الموحد وترسيخ تحالفاته التقدمية والديمقراطية التي قامت بدور هام ومفصلي في عملية التحول التي عاشتها وما تزال فنزويلا مدعومة من قوى الشعب العامل الذي كان عانى بسبب احتكار ثروات البلاد والتحكم بمصادرها ومصيرها.

ترافقت هذه التغييرات الداخلية "على أهميتها" وتعززت بانتقال فنزويلا من حديقة خلفية لواشنطن "جمهورية موز" وفق التعابير الأمريكية إلى دولة مؤثرة في القارة الأمريكية تمثلت في اعتماد توجهات قارية كتأسيس الحلف البوليفاري، ومعاهدة التجارة بين الشعوب "آلبا" على أساس المساواة والحوار الاقليمي، وإقرار تحالفات استراتيجية بين بلدان أمريكا اللاتينية الأكثر انسجاماً في نهجها الداخلي والقاري والدولي أيضاً، استطاعت وفق بيانات اللجنة الاقتصادية للمجموعة وكذلك بيانات منظمة العمل الدولية من تحقيق تراجع في معدلات الفقر وهي تهدف إلى تحقيق الوحدة والسلام القاري، فضلاً عن إنشاء بتروكاريبي عام 2005 يسمح لثمانية عشر بلداً في أمريكا اللاتينية وبحر الكاريبي "ما يعادل 90 مليون نسمة" بالحصول على نفط مدعوم بنسبة تتراوح بين 40-60 %، وتأمين إمداده بالطاقة، كما تشارك البرازيل إحدى أهم دول "ألبا" و"سيلاك" بوصفها كبرى دول القارة والمرشحة لنيل العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، في مجموعة البريكس الدولية الواعدة راهناً والمؤثرة عالمياً أيضاً.

استمرارية نظام تشافيز في فنزويلا بعد التحولات الجذرية في نهجها الاقتصادي والسياسي في طبيعة علاقاتها الدولية ومع احتياط فنزويلا من الطاقة تهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي في المدى الطويل بعد أفول الأحادية القطبية وبدء تكرس التعددية القطبية العالمية، فماذا ينتظر فنزويلا؟؟ تواصل الإدارة الأمريكية الحالية كما سابقاتها العمل على الاطاحة بالنظام "التشافيزي" في ظل استمرار أزمة حكومة مادورو وتصاعد الضغوط الدولية والحصار الاقتصادي والمعارضة الداخلية، فنزويلا تقف وحيدة بين شد وجذب القوى العظمى، تتداخل فيه عوامل خارجية الحرب الأوكرانية وحرب غزة، الحرب التجارية والاقتصادية، ترمب أعلن الحرب على فنزويلا مما يدخل البلاد في دوامة من الصراعات التي لا يحمد عقباها وحمام دم لن يتوقف الا بسقوط النظام، روسيا والصين لم ولن تتدخل إنها لعبة الأمم وصفقة القرن بين اللاعبين الأقوياء ضحيتها الآن فنزويلا، ربما هناك مقايضة سياسية مع أمريكا، واشنطن تقوم بتطويق فنزويلا وتغير النظام فيها وتعيدها إلى الحضن الغربي وينتهي حلم تشافيز ووريثه مادورو الذي ناضل من أجل العدالة، في مقابل صمت أمريكي عندما تقوم الصين بتطويق تايوان واعادتها إلى الحظيرة الصينية، وروسيا بالهم الأوكراني بدأت المقايضة عندما رفض ترمب تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك، التاريخ يقول أن التدخلات العسكرية والانقلابات المدعومة من أمريكا تؤدي إلى كوارث تحصد حياة الآلاف وتدمر الدولة كما العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا، لكن بتكلفة باهظة لها بالأرواح والعدة والهيبة دفعها للهروب من فيتنام وأفغانستان والعراق، فهل هذا ما ينتظر فنزويلا؟؟  

 

 

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...