
في ظل التقاطع بين الجنون الأمريكي والتحديات الخطيرة التي يعيشها العالم، وبين الدبلوماسية وصفقات السلام تطورات خطيرة ربما تغير مجرى الأحداث بشكل كبير وتضعف فرص السلام، لا بل صراعات مفتوحة وتهديدات نووية فالأمن العالمي في خطر والنظام العالمي لم يشهد توتراً كما الآن، اتفاقية ترمب للسلام في الشرق الأوسط تحتضر أصلاً خلقت ميتة، والتحضير لضرب إيران وحلفائها بكامل الجهوزية تؤكده الوفود الرسمية الأمريكية إلى إسرائيل من نائب الرئيس دي فانس إلى وزير الخارجية روبيو وويتكوف وكوشنر بالطبع لا يعنيهم استدامة وقف اطلاق النار في غزة، فلن تتم صفقة العصر دون ضرب هذا المحور وتحديد الجغرافيا الجديدة للشرق الأوسط من سوريا إلى لبنان إلى العراق، وفي الشرق الأوربي رغم محاولات ترمب فرض السلام في أوكرانيا فالحرب لن تتوقف قريباً والمواجهة المباشرة بين روسيا وأوروبا قاب قوسين أو أدنى، التصعيد والاستفزازات الأشد منذ بدأت روسيا حربها على أوكرانيا خط الدفاع الأول عن أوروبا، روسيا تدير هذه الحرب كما تريد مع ادراكها بأن الغرب في موقف ضعيف، لكن الموضوع الشاغل لبوتين اليوم هو عسكرة أوروبا استعداد وتصعيد وتعبئة، والحشد الأوربي السياسي والعسكري ضد موسكو، نشر قوات في دول البلطيق، انشاء جدار المسيرات الأوربي كخطوة دفاعية أولى ضد مسيرات روسية، زيادة دعم الصناعات العسكرية الأوربية سباق تسلح غير مسبوق، تدريبات الناتو ومناورات نووية أوروبية بقيادة بريطانيا والاستعداد لدخول قوات دعم سريع في أوكرانيا، حزمة عقوبات أوروبية على الطاقة الروسية، اذن أوروبا تستعد بكل امكانياتها وطاقاتها فهل هي رسائل ردع لموسكو، أم الحرب أصبحت واقعاً بأوروبا؟؟.
رد فعل من بوتين على التجييش الغير مسبوق من الناتو نوعي بإعلان أكبر ثالوث نووي ومناورة استراتيجية نووية أرعبت العالم وأمريكا رغم تقدمها التكنولوجي، وبسرية كاملة روسيا فاجأت الجميع ببناء نظام هارموني تحت بحر بارنتس بجوار القطب الشمالي، شبكة تجسس عملاقة تتكون من آلاف الكيلومترات من الكابلات وأجهزة استشعار وأجهزة سونار وأجهزة دقيقة لمراقبة غواصات الناتو، بالإضافة إلى مسيرات تحت مائية قادرة على العمل، تلتقي هذه الشبكة في عدة نقاط أساسية على امتداد البحر والهدف هو حماية ومراقبة الترسانة الروسية النووية المنتشرة في القطب الشمالي، الكشف عن النظام الآن بقدر ما يكشف الخطط الروسية السرية يعري الثغرات داخل الأنظمة الأمنية الأوربية، لأن الأجهزة والمعدات المستخدمة في تشغيل هذه الشبكة تم اقتنائها من شركات أوربية وأمريكية عبر شركات تمويهه لأغراض استكشافية وعلمية، والغرض منها لم يكن سوى التجسس حيث تمركز الغواصات النووية الروسية بمواجهة الغواصات الأمريكية أو حلفائها بأجهزة أوربية وأمريكية.
كل ذلك وما يزال ترمب الشخصية الجدلية رجل الصفقات لا لحروب الاستنزاف الطويلة مقتنع بقدرته على وقف الحرب خلال 24 ساعة بحسب رؤيته كإمبراطور!!، الكثير من الأمور الجنونية تحدث كل يوم منذ توليه منصبه خطابات وظهور اعلامي يجيد صياغة الصورة والمفاجأة، وأمريكا تحتاج إلى توازن لتبقى في الريادة وإذا لم يغير ترمب سياساته ستكون خسارتها كبيرة!!، أعلن ترمب عن قمة في بودابست تجمعه مع نظيره الروسي بوتين لتحريك الجمود على طاولة المفاوضات ثم تراجع عنها خلال 48 ساعة، لا قرار ثابت له يقول الشيء ويفعل عكسه، ولا أحد يستطيع أن يتكهن بما يجول في عقله, مع تصعيد مفاجئ تجاه روسيا بعد لهجته السابقة في التهدئة والتفاهم مع بوتين، ومن يقرأ ما في رأس ترمب الآن؟!، حزمة عقوبات جديدة يفرضها ترمب للمرة الأولى بعهده بتنسيق أوروبي أمريكي على قطاع الطاقة الروسية " أكبر شركات النفط الروسية روزنفت ولوك اويل" ستكون الأقصى على روسيا إن لم توقف الحرب، وفرض رسوم جمركية على مستوردي الطاقة الروسية خاصة الهند والصين والبديل النفط والغاز الأمريكي، استنزاف روسيا إلى أخر رمق والموقف الأمريكي الاقرار بحق أوكرانيا بالرد على البنية التحتية الروسية والداعم لتزويدها بالسلاح ومن المورد لهذا السلاح؟! طبعاً قطاع الأسلحة الأمريكية أكبر قطاع اقتصادي يدعم الاقتصاد الأمريكي.
تغيير السياسة الأمريكية من ردع عسكري إلى الضغط الاقتصادي المركز، بالرغم من فشل العقوبات اسقاط نظام أو تغيير سياساته وروسيا لديها امكانيات ضخمة، وبوتين أكد ذلك أن العقوبات لن تفرض أي قرارات سيادية روسية فيما يتعلق بالملف الأوكراني، ولن تؤثر على الاقتصاد الروسي بل ستؤثر على السوق العالمية وترفع أسعار النفط ونحن على أبواب الشتاء الأوربي، قرار العقوبات رفع أسعار الطاقة وخاصة بعد اعلان الهند خفض إمدادات النفط الروسي بشكل كبير لتجنب العقوبات الأمريكي، ولكن ارتفاع أسعار النفط سيتوقف لأن هناك عوامل أخرى مؤثرة على سوق النفط والعلاقات التجارية مع الصين والشرق الأوسط، ولكن من المستفيد من هذه العقوبات؟
أمريكا فرضت العقوبات والاقتصاد الأوربي دفع الثمن وما يزال يدفع، ملف الطاقة ورقة تستخدمها أوروبا لإرضاء ترمب فلا حول لها ولا قوة, والهدف الاستراتيجي لأمريكا تحقق فليس مصادفة تقديم موعد ايقاف استجرار الغاز الروسي المسال من عام 2028 إلى عام 2027، ضغوط تتعرض لها دول الاتحاد الأوربي شاءت أم أبت، العقوبات ضغوط مرحلية واستراتيجية بعيدة المدى قد تنجح في حنق الاقتصاد الروسي وتعزيز أوراق الضغط على روسيا ولكن الهدف الاستراتيجي الأمريكي هو الاتحاد الأوربي لإحلال النفط والغاز الأمريكي المسال محل روسيا في أسواق الطاقة الأوربية، كانت روسيا تشكل 45% من موارد الغاز لأوروبا قبل الحرب وأصبحت 15% بعد الحرب، بمقابل 6% لأمريكا من سوق الغاز الأوربي لارتفاع تكلفته، وبعد الحرب ارتفعت إلى 18% وأصبحت أمريكا ثاني أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا، طبعاً العقوبات فرضت على الغاز المسال ورقة الضغط الأكبر على روسيا بعكس النفط الذي ينقل عبر أساطيل الظل التي تحمل علم دولة أخرى وتتجنب العقوبات.
قمة العمالقة فشلت وهناك مسعى لحل الحرب ربما تكون العقوبات وسيلة ضغط في انتظار لحظة تفاوض تتيح لترمب دور صانع السلام، أليس هو صانع سلام وأوقف سبع حروب!! ترمب يحلم بوقف الحرب وحصد المكاسب من المعادن والتجارة والثروات وكسر التحالف الصيني الروسي، وربما يعيد ترمب ترتيب أوراقه التي تتعارض مع رؤية مؤسسات الأمن القومي الأمريكي وتوجهات الدولة العميقة تجاه حلفائها الأوروبيين، بما يخدم مصلحته في امتصاص الاحتقان في الداخل الأمريكي المؤيد لحرب أوكرانيا ومراعاة تراجع الاقتصاد الأمريكي في ظل الاغلاق الحكومي، أو ربما يكون ضغط مما يمنحه هامشاً للمناورة لتهيئة الأجواء لصفقة كبرى تنهي الحرب لا العكس، روسيا منيت بخسائر كبيرة وحرب ضارية ومواجهة عالمية ولكنها لن توقف الحرب الا بشروطها، حتى الآن بوتين متمسك بانتصار كامل لن يقبل الهزيمة أبداً ولن ينهزم الا بمعركة مباشرة مع أمريكا ولن يتراجع الا بحرب عالمية، أكده مدفيدف "أن انتصار روسيا على أرض المعركة وليس من المكاتب"، والأوربيين لن يسمحوا بسقوط أوكرانيا وهذا يتطلب تنازلات وعندها تصبح فاتورة السلام أعقد وبوتين سيفرض شروط جديدة في ضخ الغاز وترسيم الحدود والتسليح وقواعد الناتو وتتضاعف فاتورة الاعمار والتسليح، ثم تبدأ صفقة العصر بين اللاعبين الأقوياء، وأوروبا لن تقع بفخ بوتين أبدأ، تصعيد وتصعيد مضاد قد تغير قواعد اللعبة مع ترمب فمن يصنع النفوذ الجيوسياسي روسيا أم الغرب؟؟.