والاسلام كعدو في المواجهة

بعد قرن على الوعد المشؤوم باتت إسرائيل من المحيط إلى الخليج، لا تسألوا بلفور لماذا اختار فلسطين أرضاً لدولة إسرائيل، لكنه حظ الفلسطينيين السيء، "ذلك اليوم، بل كل يوم وعد بلفور" يدفع الفلسطينيون ثمن ذلك الوعد بالتشرد والحصار والجوع والمحرقة، لا ضير ما دمنا وحدنا وكم كنا وحدنا!، وما دام "العربي الجيد هو العربي الميت"، القوي يفرض ارادته بمفهوم القوة الناعمة أو القوة الهمجية احتلال دبلوماسي أو طوفان من الدم أليس الزمن الأمريكي؟! ولكننا كأمة لا نعي ولن نعي قواعد اللعب، صراعات ليست منفصلة بالسودان وغزة ولبنان وهذا غيض من الفيض الأمريكي الذي يعدنا أن الحروب قادمة، آتية لا محال، لرسم الخرائط وادخال المنطقة بالفوضى المنظمة.
العالم في ظل تشابك الاستراتيجيات على صفيح ساخن حروب وصراعات هنا وهناك وانقلابات وتهديدات وتكتلات، والآن نحن على الوعد لرسم مشهد جيوسياسي للشرق الأوسط وشمال افريقيا والمايسترو الأمريكي يدير المشهد تحت عنوان الحرب على الاسلام المتطرف، اذاً جوهر الصراع الحضاري الذي يفترضه هنتنغتون "الاسلام كعدو في المواجهة، ولا سبيل الا حتمية مواجهته"، فوضع اليهومسيحية ضد الكونفواسلامية بصراع عقائدي بالدرجة الأولى وبنفس الدرجة صراع اقتصادي، ترمب كغيره يتحدث بلغة صدام الحضارات كاستراتيجية لضمان قوة امبراطوريته وحماية مصالحها في الطاقة والأسواق، ولكن آلا يمسك اليهود بالمفاصل السياسية والاقتصادية وحتى المالية والايديولوجية للإمبراطورية الأمريكية؟!.
بعد عودة ترمب من جولته الأسيوية وبعد تهدئة الأوضاع مع الصين رفع مستوى التصعيد مع دول ضمنها نيجيريا، هي مرحلة اعادة رسم لخارطة النفوذ في الشرق الأوسط والقرن الافريقي والبحر الأحمر سيكون ساحة الاشتباك المباشر بين اللاعبين الدوليين لبسط نفوذهم مع تنامي دور روسيا والصين اللتان تحاولان اقتحام القارة السمراء وتحييد الدول الغربية وأمريكا، إلى أي مدى قد تحولت القارة السمراء لساحة صراع جديدة بين القوى العظمى الدولية مع توالي نقاط الاشتعال فيها وأخرها اعلان ترمب وهو يحضر خطة عسكرية للسيطرة على نيجيريا بحجة الدفاع عن المسيحيين، وأحداث السودان وغيرها، وإلى أين يقود المشروع الصهيوأمريكي دول الساحل الافريقي!!
أليس الغرب المسؤول عما وصلت إليه الأوضاع الافريقية بسبب الأثار الموروثة من العهود الاستعمارية والاستغلال الغربي للثروات الافريقية ونهبها والترسيم الاستعماري العشوائي للحدود بين الدول الافريقية، فإفريقيا ما زالت تعاني حتى الآن من مشاكل معقدة على رأسها الفقر والمجاعات والجهل وانتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة وانخفاض معدلات التنمية والتضخم السكاني، وأكبر مشكلة تواجهها افريقيا وأكثرها كارثية هي احتدام أزمة الهوية بين العرقيات المختلفة، ومحاولة كل طائفة بسط نفوذها على مناطق معينة ورغبتها في الاستقلال الذاتي مما أوجد الصراعات العرقية والحروب الأهلية في شتى أنحاء القارة، ولا زالت بعض الدول الافريقية تشهد صراعات عرقية عنيفة كما في راوندا وبوروندي واوغندا ومالي والسودان والصومال والنيجر، فهذه الدول تعاني مخاطر عدم الاستقرار السياسي، مما يجعل ذلك مبرراً للتدخل الغربي بدعوى احتواء هذه المشاكل والمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وعلى الرغم من التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها افريقيا مؤخراً الا أن هذه التحولات أفرزت أنظمة استبدادية شمولية قمعية بملامح ديمقراطية ليبرالية تحمي المصالح الاستراتيجية للغرب وقد يستغلها في اثارة الصراعات واختلاق أزمات دائمة لشل مقدرتها على ادارة شؤونها الداخلية والخارجية.
حروب أمريكا القادمة حروب الطاقة والمياه في الشمال الإفريقي تحديداً لتفرض سيطرتها على المضائق والممرات على طول الخط الممتد من شرق المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، تبدأ من نيجيريا إلى تشاد إلى السودان وصولاً إريتريا دول تشكل منطقة عبور مهمة تتحكم بالمضائق والممرات المائية الحيوية وستشهد حروب عنيفة مقبلة، تشاد بدأت تعزز وجودها العسكري مع نيجيريا والسودان مع وجود حراك لفصائل مسلحة تشارك الدعم السريع بمعاركه مع الجيش السوداني، ارتيريا التي تعاني من التهديد الاثيوبي على حدودها حول خليج عصب على البحر الأحمر والتهديد من سيناريو السودان، بالمقابل بغرب المحيط الأطلسي فنزويلا وحربها على المخدرات!! وهذه الدول بالصدفة تمتاز بمواقع استراتيجية على البحار وتمتلك أكبر مخزون نفطي فضلاً عن مناجم الذهب والالماس والفحم والمعادن النادرة ومخزون اليورانيوم الكبير وهو العنصر الأساسي في الطاقة على مستوى العالم.
ووسط الفوضى المنظمة إسرائيل تتدخل عسكرياً في البحر الأحمر فالتناغم طبيعي بين المشروع الأمريكي والمشروع الإسرائيلي كالشيء وظله، عنوان التدخل الأمريكي بنيجيريا ضد القوات الاسلامية المسلحة وعنوان التدخل الإسرائيلي بالبحر الأحمر ضد الاسلام المتطرف وتنظيم داعش، فأنشأت إسرائيل قواعد عسكرية في اليمن أمام باب المندب وميناء الحديدة مقابل الصومال واريتريا لمواجهة تركيا بعد التعاون الأمني الذي يسمح لتركيا ببناء قاعدة عسكرية بالصومال لإطلاق الصواريخ الباليستية، وبعد أن أجرت تركيا في اريتريا تجارب صواريخ باليستية قادرة على الوصول إلى إسرائيل بالوقت التي تسعى إسرائيل تقليص التمدد التركي بسوريا وبالبحر الأحمر تحديداً، فتحالف تركي مع الصومال والجيش السوداني يشكل تهديد مباشر على إسرائيل.
الحرب على الاسلام المتطرف في نيجيريا وسوريا ولبنان والعراق غطاء جديد لإعادة الانتشار العسكري بالمنطقة وتقسيم النفوذ فيها، تزامن مع اعلان سوريا التوجه إلى واشنطن للتحالف ضد داعش والحرب ستكون داخل سوريا وعلى المناطق الحدودية لبنان والعراق مع تحذير العراق من مشاركة فصائل عراقية خلال ضرب المنطقة وتكثيف الغارات ضد الجنوب اللبناني أهداف معلنة بالحرب القادمة لتسيطر على سوريا ومحيطها والتحكم بالبحر الأحمر الممرات و المضائق، ومواجهة التحدي الإيراني لحرية الملاحة في البحر الأحمر والذي يشكل تحدياً خطيراً لمصالح دولية حيوية وتحدياً لأمريكا باعتبارها الضامن لحرية الملاحة في بحار العالم، ومنع التمدد الحوثي والوجود التركي بالصومال وباب المندب، باب المندب هو شريان إسرائيل التجاري بعد التطبيع مع الامارات وفتح الممر الاقتصادي وخط موانئ جديد بين الهند وإسرائيل عبر السعودية والامارات كبديل عن قناة السويس، ومحاولة أمريكا خلق مشاريع خطوط أنابيب منافسة للخطوط الروسية كالمشروع العربي لنقل الغاز إلى أوروبا عبر سوريا وتركيا، أنبوب الطاقة الجديدة من شمال افريقيا "ليبيا-الجزائر-نيجيريا"، فضلا" عن أنبوب نابوكو من مناطق اسيا الوسطى والاهم انابيب باكوجيهان من اذربيجان الى تركيا عبر جورجيا، وأخيرا" أنبوب باكو روم من كازاخستان -اذربيجان إلى تركيا، تكلل بتجديد انضمام كازاخستان إلى العائلة الابراهيمية.
الأمور معقدة من الممكن جداً أن نشهد تحالفات جديدة تحدث انقسامات في المحاور تحالف تركي مصري مع اريتريا والصومال والسودان بمواجهة تحالف إسرائيلي اثيوبي بالبحر الأحمر ويجب أن يكون هناك تدخل غربي أمريكي رغم أن تركيا عضو مهم بالناتو، ربما نشهد مواجهة مباشرة بين التحالفين على النفوذ بالبحر الأحمر واحتمال تبقى بؤرة توتر وورقة للمساومات بين أيدي اللاعبين الكبار الملفات كلها مرتبطة ببعض بانتظار الرابح بالحرب الروسية الأوكرانية الذي سيحدد ملامح النظام العالمي الجديد!!