رسالة إلى رئيس مجلس السّلام

 

 

 

هل يمكن لرئيس مجلس السلام دونالد ترامب أن يقود تحوّلاً حقيقيّاً في مسار الصراعات، أم يعيد إنتاج معادلاتٍ قديمة بوجهٍ جديد؟ وهل تكفي الإيجابيّات التي سُجّلت له لطمس الأسئلة الثقيلة التي تطرحها ميادين لبنان وغزّة والضفّة؟ في ما يلي رسالة مباشرة تضع الميزان بين ما له وما عليه، وتفتح الباب أمام قراءة أكثر توازناً لأدواره المستجدّة في الشرق الأوسط.

 

أسجّل ما لك قبل أن أسجّل ما عليك.

لك… خفض مستوى الدم والدمار في لبنان ثمّ غزّة.

لك عدم الإصغاء للتحريضات الإسرائيليّة لإعاقة الصفقة الاستراتيجيّة مع المملكة العربيّة السعوديّة على صعيد التسلّح النوعيّ.

لك… الإشارة إلى الدولة الفلسطينيّة عبر مسارٍ يفضي إليها، وذلك يحدث لأوّل مرّة في التاريخ من جانب الولايات المتّحدة، بعدما كان الفيتو هو عنوان السياسة الأميركيّة في كلّ شأنٍ يتّصل بمصلحة الفلسطينيّين.

بمقياس الخسائر الأكبر أو الأقلّ، والإيجابيّ النسبيّ مع السلبيّ، فقد منحك العرب والمسلمون، ومن ضمنهم الفلسطينيّون، ثقةً لم يكن ليحلم بها غيرك من الرؤساء الأميركيّين بلغت حدّ تتويجك رئيساً لملفّات قضايا الشرق الأوسط، ووفّروا لمشروع القرار الذي قدّمته لمجلس الأمن إجماعاً قلّ مثيله، بما في ذلك تشجيعهم للدولتين العظميَين، الصين وروسيا، على الامتناع عن استخدام الفيتو الذي لو استُخدم لَسُجِّل في رصيدك أكبر فشل تُمنى به في زمن نجاحاتك الحقيقيّة والمُدّعاة، وذلك دون إغفال الموقف الجزائريّ.

سجّل لك العرب والمسلمون هذه الإيجابيّات لإقناعك بأنّهم منفتحون عليك، وليسوا منغلقين على مبادراتك، لكن يتعيّن عليك لقاء ذلك أن تُصغي لما هو عليك.

مع التفهّم لطبيعة علاقات دولتك العميقة مع إسرائيل، إلّا أنّ التغاضي عمّا تفعله، وإيجاد تبريراتٍ له غالباً، يجسّدان تشجيعاً مباشراً لتمادي إسرائيل في حروبها على الساحتين اللتين تجسّدان مفتاح الشرق الأوسط، وهما اللبنانيّة والفلسطينيّة.

في لبنان تغطيةٌ لإطلاق يد إسرائيل في العمل الحرّ والمباشر من خلال اتّفاقٍ جانبيٍّ معها منحها وضع الخصم والحكَم والمنفّذ في وقتٍ واحد. وكذلك الأمر في غزّة، حيث من المفترض ألّا يسمح رئيس مجلس السلام والمبادر إلى وقف الحرب عليها بقتل المئات في ظلّ وقف إطلاق النار.

ثمّ لماذا كلّ هذه السلبيّة في النظر إلى الحرب المعلنة والممارَسة بشراسة على الضفّة، التي هي أرض الدولة الفلسطينيّة، والمفترض أن تفتح مساراً مضموناً لإقامتها؟

إنّ كلّ ما صدر عن إدارتكم هو تصريح خجول انتقدتم فيه مجموعة صغيرة تقوم بالاعتداء على الفلسطينيّين وممتلكاتهم، اسمها “فتيان التلال”، بينما ضررها يقلّ كثيراً عن ضرر ما يمارسه المستويان السياسيّ والأمنيّ في إسرائيل.

إنّ رئيس مجلس السلام مُطالَب بأن يكون موقفه أكثر وضوحاً من الاحتلال الشامل والعميق للضفّة، والاستيطان المنتشر بلا هوادة في كلّ مكان فيها، إلى القتل اليوميّ، الذي هو إحدى مهامّ الجيش الذي يُظهر عجزاً مفتعَلاً عمّا يفعله المستوطنون، ويمارس أفدح عمليّات القتل والتدمير في الضفّة. لم نسمع ولو كلمة واحدة عمّا تفعله إسرائيل في المخيّمات من تهجير وتغيير معالم، وفي أثناء كتابة هذه الرسالة كانت إسرائيل قد قتلت أولاداً لا تزيد أعمارهم على السبع عشرة سنة، وهذه ليست عمليّةً معزولةً عن عشرات العمليّات المماثلة، التي يكون فيها الأطفال في الضفّة كما في غزّة هم الضحيّة.

سيادة رئيس مجلس السلام، وبعدما مدّدت مهامّك إلى السودان وأوكرانيا لتصبح رئيس مجلس السلام الكونيّ، أساس نجاحك الحقيقي في المهمّة التي انتدبتَ نفسك لها هو أن يكون ميزانك في أدائها منطقيّاً ومتوازناً وعادلاً. وإن لم يكن كذلك فكلّ ما تقول عن نجاحاتك في إنهاء الحروب سيظلّ كلاماً كغبار تذروه رياح الواقع، أو كهُدوء طال أو قصر هو أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة. وللتأكّد من هذه الحقيقة، راجع حكاية الحرب والسلام في الشرق الأوسط، وتوقّف ولو قليلاً عند الأسباب الحقيقيّة التي أنتجت فشلاً ذريعاً في كلّ المحاولات، حتّى الأميركيّة منها.

 

 

 

Loading...