مبدأ ترمب.. ملحق " لمبدأ مورنو"

 

 

 

 

 

نشهد تسارعاً كبيراً للأحداث فما يحدث في يوم على قدر ما كان يحدث في سنة، النظام العالمي يكتب من جديد فيما صورة النظام الجديد لم تتضح بعد، مما وضع العالم أمام الطوفان الأمريكي في أخطر صراع جيوسياسي، فرط علني للسيطرة والوصاية الأمريكية والهدف اعادة رسم خرائط العالم ورسم خرائط النفوذ على الممرات المائية وخطوط الطاقة لتحجيم النفوذ الروسي الصيني في العالم وترتيبه بما يخدم المصالح الأمريكية والغربية، ورسم شكل منطقة الشرق الأوسط القادم لتأمين أمن إسرائيل وهو أولوية، فالشعلة متقدة وحروب ضروسة يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى حريق عالمي، ترمب بعد أن أشعل الحروب بكل مكان وقام باستعداء المجتمع الدولي وأطاح بحلفائه، و"من أجل أمريكا أولاً" يخرج من اللعبة ويُفعل عقيدة مورنو "الانكفاء الداخلي" بعد أن نال جائزة سلام الفيفا، ألم يوقف ثمن حروب!!، ينكفئ نحو القسم الغربي من العالم والأهمية للمحيطيين الهادي والهندي لمنع أي تمركز روسي أو صيني، لم تعد أمريكا شرطي العالم ولكنها تملك أوراق الضغط متل العقوبات والقوة العسكرية ونظام مالي دولي وتكنولوجيا، وتستند على حلفائها في تأمين مصالحها وتساعد في ادارة الأزمات بدون أن استنزاف مباشر للموارد الأمريكية.

مبدأ ترمب تحولاً جذرياً في الاستراتيجية الأمريكية نحو ملفات أكثر أولوية استراتيجية "المحيطات، وسلاسل التوريد، المعادن النادرة، والصين"، اليوم ترمب يعترف بقوة الصين وأنها الخطر الحقيقي على أمريكا، فهل نحن الآن أمام مواجهة مباشرة بين النديين؟! اذ يخشى من امكانية أن تكرر الصين سيناريو أوكرانيا في تايوان، الاستراتيجية أثارت قلق الأوربيين من رغبة أمريكا خفض تواجدها العسكري في أوروبا والانسحاب من الناتو بعد أن ورطتها بحرب أوكرانيا، ترمب انتقد أوروبا وحذرها من خطر محو الحضارة الغربية في تأييد صريح للأحزاب الشعوبية ودعمها لتوسيع نفوذها والهيمنة على المشهد الأوربي، وهذا يكشف حقيقة مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا بعيد عن أوروبا وبانتهاك مذل لسيادة أوكرانيا، تعامل مع الصراع كصفقة لتحقيق مكاسب متجاهلاً التهديد الروسي للأمن الأوربي، وملتزم بتوصيات هنري كيسنجر "عند اندلاع أزمة أو صراع مسلح في أي مكان فإن على الولايات المتحدة الأمريكية التريث طويلاً لتتضح الفوائد من تلك الأزمة"، اتفاقيات سلام بين روسيا وأمريكا في مضامينها تعاون اقتصادي وتجاري وتغييرات جيوسياسية كبيرة جداً تم الاتفاق عليها في اجتماع آلاسكا بصفقة الأشقاء بين ترامب وبوتين.

والشرق الأوسط لم يعد مهماً بالنسبة لترمب وما يفعله الآن مع فنزويلا بأكبر احتياطي نفطي بالعالم هدفه تأمين مصدر بديل وقريب للبترول الخليجي الذي سيدخل دوامة صراعات يصعب معها تصدير النفط، ولكنه مهتم بأمن إسرائيل فالتماهي بين ترمب ونتنياهو بلغ مداه ليس بالتكامل الاستراتيجي فحسب بل الايديولوجي، إسرائيل حصلت على أكبر دعم سياسي وعسكري واقتصادي في تاريخها وهذا ما زاد في قدرتها على العمل بحرية وتفوق في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط، ويتكوف وكوشنير أنهوا ملف غزة والحصول على توقيعات لبنان وسوريا، غزة يتم مسحها من الخريطة وتهجير سكانها، أصبحت ملكاً لترمب ليتم تحويلها إلى مدخل لميناء بن غوريون الذي يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط مباشرة والمنافس لقناة السويس وباب المندب، والاستيلاء على ثروة غزة من الغاز والتي تقدر بتريلون قدم3 لتصبح أكبر منصة غاز بشرق المتوسط وهي استراتيجية إسرائيل.

حرب غزة وأوكرانيا غيرت موازين القوى الاقليمية والعالمية وفتحت باب المقايضات بين السياسيين والاقتصاديين وبالتالي تشكيل نفوذ سياسي جديد، والرسم الحدودي في الجغرافيا الهشة يصنع دولاً تقودها المصالح لا يمكن فهم زيارة الوفد الأممي إلى سوريا ولبنان الا على وتيرة الايقاع المتصاعد بين الدول الكبرى على تقاسم الموارد والنفوذ، "عندما يتحدث المبعوث الأمريكي توماس باراك أن بالشرق الأوسط لا يوجد دول وأن هذه الحدود رسمت بقلم الرصاص يعني هناك رسم جديد للخرائط وترتيب لتأمين السلام المستدام ونشر اتفاقات ابراهام"، هناك دراسة لمتغيرات الحدود البرية والبحرية سيجريها الوفد الأممي ليتم الاتفاق عليها بين دول الفيتو التي تتبادل المصالح بين ملف سوريا وأوكرانيا. 

تخلى ترمب عن استراتيجية الفوضى الخلاقة والتدخل الانساني ونشر الديمقراطية لتغيير الأنظمة ويفضل التعامل مع الأنظمة كما هي ومن يضمن أمن أمريكا يصبح حليفاً أياً كان نظامه، هذا ما يبرر تقدمه نحو الحكومة السورية الجديدة بخطوات سريعة ورفع أسماء من قائمة الارهاب وهناك الكثير من الأمور المحظورة على سوريا باتت اليوم مسموحة في العلاقات الدولية وبين حكومة الشرع.

استراتيجية الأمن القومي الأمريكي هي أكبر من ترمب أو أي رئيس، كلهم أدوات منفذة للخطة الممتدة منذ عام 1950، عندما قدم ترومان وثيقة رقمها (68) وثيقة الأمن القومي وهي المرسوم التشريعي التي تمشي عليه أمريكا لحد الآن وهدف هذه الوثيقة السياسي منع بروز أي دولة أو مجموعة منافسة أو مؤثرة على قيادة أمريكا للعالم، جاءت لحظة أحادية القطب عام 1991 ويجب أن تحافظ أمريكا على هذه اللحظة مئة عام، أمريكا حتماً دولة عظمى خسرت فرصة كبيرة بقيادة العالم مادام ترمب يتعامل مع حلفائه ومع أعدائه بمنطق الأنا وما بعدي الطوفان، كل ما صنعته أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية قد يذهب أدراج الريح إذا ما بقي ترمب يحكمها، بل يهدد القيادة الاقتصادية والعالمية لأمريكا.

الاستراتيجية تلمح إلى بداية الانهيار الأمريكي، والعالم يراها الآن دولة مارقة يقودها رجل قوي ومتهور منفصل عن سيادة القانون والمبادئ المنصوص عليها في الدستور، يفرغ القوة الناعمة من محتواها ويطيح بحلفاء بلاده، انكشفت قيمتها وابتعدت عن جوهرها ادعت قيم وقواعد لم تطبقها مما سرع لهذه النهاية، مع تفاقم التحديات التي تواجهها اضطرابات سلاسل التوريد وأزمات الديون بعد فشل ترمب في خفض العجز التجاري بل على العكس ازداد وقابل للزيادة في الأشهر المقبلة، الوضع في أوروبا أكثر سوءاً أزمات اقتصادية وسياسية وخاصة بفرنسا وألمانيا مع تقدم روسيا في حربها على أوكرانيا لتنطلق شرارات الحرب في أوروبا، الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل وادارة حروبها بالشرق الأوسط، باستراتيجية مورنو ترمب يحمل إسرائيل عبئ أكبر تجاه ايران والتهديدات الاقليمية وهذا لا يعني أن إسرائيل قادرة على احتلال المنطقة وهندستها منفردة على الرغم من سيادة سياسة القوة والتلاعب بمصائر الجغرافيا ومصائر الشعوب، ذلك يضع إسرائيل أمام مخاطر وجودية وخطوة في طريق الانحدار فالأفق بات أمامها ضيق، ألم يعلم نتنياهو لولا أمريكا دولته لاوجود لها.

 

 

 

 

 

 

Loading...