
الحرب قادمة لا محالة كل يوم تزداد حشودها وتتراكم قوتها، سباق تسلح هنا وهناك، منظومات دفاعية عالية المستوى، مناورات عسكرية، وكأن الحرب ستبدأ غداً، أمريكا اختارت العزلة لصياغة العصر الذهبي والتفرغ لحديقتها الخلفية "أمريكا اللاتينية" حيث البترول والثروات، والتنين الصيني خارج عن السيطرة، أمريكا نأت بنفسها عن الشرق الأوسط وبقاء الأمر على ما هو عليه!!، نظام عالمي جديد وخريطة العالم على الطاولة خلف الأبواب المغلقة روسيا والصين تريدان حصتهم من الكعكة واقتسام النفوذ مع أمريكا، أمريكا حيث الموارد والطاقة ولابد للصين تايوان وبحر الصين، أوكرانيا وقواعد عسكرية على البحر المتوسط والممرات المائية التركية لروسيا، وسيشهد العالم في ظل وجود حالة من السيولة محطات جديدة للصراع واندلاع مواجهات عالمية قد يؤدي إلى صراع مفتوح وحرب نووية، الحرب قادمة ولكن لا معطيات تسخنها بشكل تخرج الأمور عن السيطرة حالياً، ولكن من يدري متى تنفجر الأمور؟!.
ترمب فشل بإيقاف الحروب بل زاد لهيبها، في غزة المنكوبة انسانياً نحن أمام محاولة أمريكية لضبط الايقاع ولكنها تلفظ أنفاسها الأخيرة فالمقتلة مازالت تجري في غزة مادام البحث عن الجثة الأخيرة للأسير روان غفيلي جارٍ، اتفاقات ابراهام متجمدة فالسعودية تربط المصالح بإنهاء الحرب وتشترط اقامة دولة فلسطينية وهي النقيض التاريخي للدولة العبرية، والحرب الأوكرانية ورؤية اتساعها لحرب مع الناتو واستعدادات أوروبية لها على قدم وساق، والحروب الاقتصادية مشتعلة وأمريكا مهددة بانهيار اقتصادي ومحاولات يائسة لفرض معطيات كالبحث عن صفقات واستثمارات، "ترمب فشل بخفض عجز الموازنة الضخم والديون تكبر بعد سياسة التعريفات التي أدت إلى خسائر وتضخم كبير اذ بلغ حجم الدين العام 38 تريليون و500 مليار لاسيما أن أمريكا تغطي كل حروب إسرائيل بالمنطقة بغزة ولبنان وسوريا واليمن وايران"، هذا الوضع يهدد بخيار الحروب بل وقد بدأت مؤشرات الانخراط بها وفنزويلا على شفا الحرب، أمريكا تستعد لحرب تمكنها من السيطرة على أكبر احتياطي نفط بالعالم لن تكون حرباً قصيرة كما يخطط لها ترمب بل قد تكون مستنقع لحرب طويلة.
وايران خط الدفاع الأخير عن عالم متعدد الأقطاب مستعدة لفتح معركة على مختلف الأصعدة من مضيق هرمز تشعل فيها منطقة الخليج وتفجر أبار وناقلات النفط، إلى استهداف المصالح والقواعد الأمريكية والاستعانة بحلفائها في المنطقة، هناك حالة تأهب لحرب واسعة جداً قد تطول سنين إن لم تصل إلى حرب نووية، إيران تمتلك قدرات باليستية لا يستهان بها عدا عن برنامجها النووي، وأخيراً حصول إيران على أسلحة ومنظومات دفاعية من الصين وروسيا، حرب ال12 يوم أصبحت تداعياتها كابوس لا يغيب عن أذان إسرائيل، ضربات صاروخية إيرانية بطيئة ونوعية على إسرائيل أذهلتهم وأذهلتنا جميعاً، أظهرت مقاربة في موازين القوة بين إيران وإسرائيل رغم وجود اختلال هائل بينهما على الصعيد العسكري والاستخباراتي، إيران لا تملك القدرات التكنولوجية التي تملكها إسرائيل "مخزون كبير من الأسلحة مع دعم أمريكي غربي"، ومن الخطأ مقارنة القدرات الدفاعية وإيران تحت عقوبات اقتصادية وسياسة الضغط الأقصى بتشديد العقوبات والحصار الخانق منذ أكثر من أربعة عقود وحرب اقتصادية وتكنولوجية من أمريكا وحلفائها.
إسرائيل القوة الوحيدة في الشرق الأوسط وان تحققت بقوة أمريكا، ولا يمكن لإسرائيل أن تتعايش مع دول اقليمية توازيها بالقوة العسكرية الصاروخية وتتفوق عليها، اعلان الحرب على إيران هو جزء لا يتجزأ من الرؤية الإسرائيلية بإعادة تشكيل الشرق الأوسط وكذلك تركيا، اذن نحن على أبواب حرب كبرى تلوح بوادرها في الأفق القريب متعددة الجبهات ميدانها الشرق الأوسط، إسرائيل الآن تستعد لعدوان على لبنان وسلاح حزب الله الحجة والمهلة لنهاية العام وماذا تبقى؟! ومن ثم إيران لتتوسع الساحة حدود مفتوحة والعرب وقود الحرب، سوريا لن تكون بمنأى والنظام الجديد يعلم أنه أمام خيارات صعبة للغاية وسيتعين عليه أن يتخذ مواقف تعيد سوريا إلى مسارها الطبيعي أكدته هتافات آلاف السوريين نصرةً لغزة وضد إسرائيل "طالعلك يا عدوي طالع" سوريا ولبنان وفلسطين في خندق واحد، وإسرائيل إن بدأت الحرب لن تستطيع انهاءها.
بالرغم أن إسرائيل تعيش ظروف قاسية جداً داخلياً وخارجياً ولكن حكومة اليمين المتطرفة ليس لديها مصلحة بأي هدوء في المنطقة، نتنياهو مطارد بالمحاكمات ومقبل على انتخابات 2026 ولا يجب خسارتها مع حكومة اليمين المتطرف فأي حروب جديدة تحتاج يمين متطرف، الدائرة تضيق به وعليه أن يقلب الطاولة على الجميع ويبعثر الأوراق، ليضع إسرائيل أمام مخاطر وجودية وخطوة على طريق الانحدار، مع ترسيخ القناعة الإسرائيلية بأن الحليف الأقرب لم يعد كما كان والعلاقات مع واشنطن بدأت تفلت من السيطرة، واشنطن تمضي في خطواتها دون تل أبيب فبدت إسرائيل تشعر بأنها وحدها لعل الاستفراد بملف غزة يقلقها، وتسليح السعودية واشراك تركيا في مجلس السلام في غزة ورؤية ترمب لخريطة المنطقة يزيد قلقها وعزلتها، ولكن متى كانت إسرائيل وحدها؟! غطرسة نتنياهو وانفلات إسرائيل خلقته الادارات الأمريكية بما فيها ادارة ترمب نفسه.
احتمال دخول أمريكا هذه الحرب مباشرة قائم فهل يعقل أن تفعل إسرائيل ذلك بمفردها، وإسرائيل لا تقدم على أي عمل عسكري دون التنسيق مع الادارة الأمريكية وزيارة نتنياهو لواشنطن قبل رأس السنة لوضع اللمسات الأخيرة على التنفيذ، فحرب إسرائيل هي حرب أمريكا، وترمب رجل انفعالي لا يمتلك أي قرار ومن يمتلكه الدولة العميقة التي تديرها الحركة الصهيونية "الايباك"، ولكن ما يقوم به نتنياهو الآن قد يؤدي إلى التوتر والتصعيد بالمنطقة والتي هي متوترة أصلاً، أهو عصراً ذهبياً للولايات المتحدة الأمريكية أم تخبطاً استراتيجياً، ألم تستشعر مدى التداعيات الكارثية على مصالحها الاستراتيجية إذا ما مضت إسرائيل بحروبها في الشرق الأوسط؟!، حسابات إسرائيل تكتيكية وفارغة من المضمون بالنسبة لكل الأطراف بما في ذلك أمريكا، لذلك ضبط الانفلات الإسرائيلي أصبح ضرورة أمريكية فنحن مقبلون على كارثة فيما يتعلق بالرغبات الإسرائيلية، إسرائيل لا تهدد بنشوب حرب شاملة فقط بل إنها تؤثر في توازن القوى وتستهدف المصالح والقوات الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط والعالم، نحن في مرحلة حرجة جداً وتستوجب الكثير من الترقب والخوف مما هو أسوأ, لكنها حتما نهاية الزمن الإسرائيلي.