مقالات مختارة

الحريديون المحرّك الديمغرافي الرئيس للمشروع الاستيطاني | شاؤول أريئيلي

 

 

 

- يشكل الحريديون حوالى 38% من إجمالي المستوطنين في الضفة
- نصف الأطفال تحت سن الـ 19 في المستوطنات حريديونفي تسعينيات القرن الماضي، عندما قررت قيادة الحريديين في إسرائيل أن تجتاز مرة أخرى الخط الأخضر، بعد 20 سنة على الاجتياز نحو شرقي القدس، لم يخطر ببال أي أحد انه بعد ثلاثين سنة سيتحول الحريديون إلى القوة الديمغرافية الأكثر هيمنة في مشروع الاستيطان في منطقة "يهودا" و"السامرة". لم ينبع القرار في حينه من الصهيونية أو الأيديولوجيا، بل من الواقع الاقتصادي: ضائقة السكن المتصاعدة في بني براك وفي القدس والحاجة إلى فضاء سكني منفصل وقابل للوصول إليه ورخيص. الآن، مجتمع الحريديين ليس مجرد جزء من الاستيطان في "المناطق"، بل تحول إلى قلبه النابض، ومحرك النمو الديمغرافي الكبير، ولكن في الوقت ذاته يضم سكانا فقراء يعتمدون على غيرهم، ما يشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة.

حسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء فإنه في نهاية أيلول 2025 شكل الحريديون حوالى 38% من إجمالي الإسرائيليين في "المناطق" المحتلة (مقارنة مع 32% قبل 15 سنة) أي 197.397 شخصا من اصل 517.319 إسرائيلي. ويشكل الأطفال تحت سن الـ 19 نحو نصف الإسرائيليين في المستوطنات (258.370)، من بينهم 44% هم أطفال اكبر ثلاث مستوطنات يهودية حريدية: موديعين عيليت، بيتار عيليت، وجفعات زئيف. ويصنف 84% من اليهود الحريديين ضمن العنقودين 1 و2، الأدنى في المؤشر الاجتماعي والاقتصادي للمكتب المركزي للإحصاء.
يعيش الحريديون في 16 مستوطنة فقط في "يهودا" و"السامرة" (من بين الـ 167 مستوطنة). في 9 منها يعيش 94% من الحريديين، الذين يشكلون أغلبية مطلقة في مستوطناتهم (55 – 95%). باقي الحريديين في 7 مستوطنات، يشكلون فيها 10 – 30% من إجمالي السكان. لا تعكس هذه المعطيات تمددا تنظيميا، بل تعكس تركيزا اجتماعيا واقتصاديا في فضاء جيوغرافي مقلص: غلاف القدس.
يعيش الحريديون في أنواع السلطات الـ3: مدن، مجالس محلية، ومجالس إقليمية. الأول يشمل المدن الحريدية، المستوطنات الكبيرة، موديعين عيليت (90.927 إسرائيلي)، وبيتار عيليت (72.157 إسرائيلي)، التي تضم 79% من إجمالي الحريديين.
يدور الحديث عن مدن مكتظة جدا مع 23.535 شخصا لكل كيلومتر مربع في المتوسط. نسبة الأطفال حتى سن 19 فيها هي 59 – 61%، لكن في العقد الأخير سجل انخفاض يبلغ 6%، وهو مؤشر أول إلى التشبع الديمغرافي نتيجة تقدم السكان في العمر وهجرة الأزواج الشابة. يحافظ النمو الطبيعي، الذي يبلغ حوالى 6 آلاف نسمة في السنة في المدينتين، والذي يمثل 48% من إجمالي النمو الطبيعي (المواليد ناقص الوفيات في "يهودا" و"السامرة")، على النمو السكاني السنوي السريع (إجمالي الزيادة/النقص في عدد السكان)، لكن ميزان الهجرة فيها أصبح سلبياً بالفعل.
بين كانون الثاني 2021 وأيلول 2025 غادر المدينتين 5530 شخصا، اكثر ممن انضموا إليهما. معظمهم من عائلات شابة انتقلت إلى المستوطنات الحريدية مثل تل تسيون، متتياهو، غنيه موديعين، معاليه عاموس وأسبر، أو عادت إلى داخل إسرائيل. بقيت المدن نفسها مع مجموعة سكانية كبيرة في السن، وتجمعات كبيرة، ومؤسسات تعليمية ومواصلات مريحة، تسمح باتصال يومي مع بني براك وبيت شيمش والقدس.
توقف البناء في هاتين المدينتين: في الأعوام 2015 إلى نهاية 2024 لم يسجل إلا 3031 مشروع بناء جديدا، وهو معدل منخفض مقارنة مع النمو الطبيعي. ويتضاءل احتياطي الأراضي المتاحة وترتفع الأسعار وفقا لذلك. ويغطي تمويل وزارة الداخلية 85 – 90% من ميزانيات السلطات المحلية، وفي ميزانيات التطوير – الاستثمارات، الشوارع، والمباني العامة – يتجاوز إسهام الحكومة أحيانا 95%. أما الإيرادات الذاتية من ضرائب العقارات التجارية فهي ضئيلة ولا تتجاوز أحيانا 10% من الميزانية.
المعنى واضح: تقريبا كل شيكل في البلديات الحريدية يمول من خزينة الدولة. ويعتبر متوسط الإنفاق على الطفل في رياض الأطفال مرتفعا جدا، 16 ألف شيكل، لكنه لا يساهم في توفير فرص عمل مستقبلية أو تحقيق الاستقلال الاقتصادي. وتصنف موديعين عيليت في العنقود الأول في المؤشر الاقتصادي – الاجتماعي، وهكذا منطقة بيتار عيليت حتى 2023 عندما ارتفعت لأول مرة إلى العنقود الثاني.
المنظومة السياسية في هاتين المدينتين الحريديتين تتسم بالرتابة. ففي الانتخابات الأخيرة حصد حزب "يهدوت هتوراة" وحزب "شاس" معا 98% من الأصوات في موديعين عيليت (78% "يهدوت هتوراة"، و20% حزب "شاس") و90% في بيتار عيليت (59% "يهدوت هتوراة"، 31% حزب "شاس"). أما التأييد لحزبي "الليكود" و"الصهيونية الدينية" فهو ضئيل جدا. ورغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، إلا انه لا توجد هجرة سياسية. هذا عالم مغلق ومتماسك ويدافع عن نفسه، لكنه يعتمد كليا على الآخرين في تمويل وجوده.
النوع الثاني من المستوطنات الحريدية يشمل اثنين من المجالس المحلية، اللذين يمثلان تعقيد عملية "الحردنة" في منطقة "يهودا" و"السامرة". جفعات زئيف (24.725 نسمة) هي المجلس المحلي الأكبر في "المناطق"، وهي أكبر من مدينة اريئيل، التي أصبحت حريدية في العقد الأخير، و57% من سكانها هم حريديون (الباقي علمانيون ومتدينون قوميون). عمانوئيل في المقابل، تقريبا هي الصغرى من بين جميع المجالس المحلية، حيث تحتل المكان 12 من بين الـ 14، فيها 5979 نسمة، وتتميز بسكان حريديين بشكل واضح (86%)، وهما معا تضمان 15.5% من الحريديين في "المناطق"، 4.7% من إجمالي الإسرائيليين هناك.
في جفعات زئيف نسبة الأطفال تحت سن الـ 19 تبلغ 52 – 55% مقارنة مع نسبة 60% أو اكثر في اكبر مدينتين. ميزان الهجرة الإيجابي في العقد الماضي في جفعات زئيف وعمانوئيل – عدد الوافدين يزيد بـ 2594 شخصا على عدد المغادرين – ينعكس في توسع الأحياء الجديدة فيها، لا سيما رمات جفعات زئيف (التي يسكن فيها على الأغلب الحريديون العاملون والذين هم من طبقة اجتماعية اقتصادية مرتفعة)، واغان هئيلوت. في العقد الماضي، تم بناء 930 وحدة سكنية جديدة في جفعات زئيف مقارنة مع 722 وحدة في عمانوئيل. وتبلغ الكثافة السكانية في جفعات زئيف (9314 نسمة لكل كيلومتر مربع)، وهي أعلى 63% مما في عمانوئيل (5689 نسمة).
أيضا في التصنيف الاجتماعي – الاقتصادي الفجوة واضحة: تدهورت جفعات زئيف في الواقع من العنقود 5 إلى العنقود 4، لكن عمانوئيل بقيت في العنقود 2. وطبقا لذلك فإن مشاركة الحكومة في الميزانية العادية فيهما هي 60 – 70%، وفي ميزانيات التطوير هي 75 – 80%. في صناديق الاقتراع في جفعات زئيف نجد 40 – 45% من الأصوات أعطيت للأحزاب الحريدية، والباقي لـ"الليكود" و"الصهيونية الدينية". في عمانوئيل نجد 76% "شاس" و"يهدوت هتوراة". نسبة التصويت الإجمالية ترتفع باستمرار، لكن تم الحفاظ على روح الانغلاق عن المجتمع الإسرائيلي.
النوع الثالث من المستوطنات يضم المستوطنات الحريدية الصغيرة والجديدة – في المجلس الإقليمي، متيه بنيامين يوجد مستوطنات تل تسيون (7175 نسمة)، التي انفصلت عن كوخاف يعقوب في شباط 2023، ومتتياهو (897 نسمة) وغنيه موديعين (3369 نسمة التي انفصلت عن موديعين عيليت في 2016)، وفي المجلس الإقليمي غوش عتصيون توجد معاليه عاموس (1423 نسمة) واسبر (1606 نسمة). هذه مستوطنات شابة مع تكاثر طبيعي مرتفع بصورة استثنائية (60 – 65% أطفال حتى سن الـ 19)، مع ميزان هجرة إيجابي بشكل خاص.
تتصدر تل تسيون في النمو وفي ميزان الهجرة الإيجابي المثير للانطباع، في حين انه في غنيه موديعين سجل في السنوات الأخيرة منحى مغادرة. يتواصل البناء 10 – 20 وحدة سكنية جديدة في السنة في متتياهو وفي معاليه عاموس – وتخلق حزام توسع حريدي في شرق غوش دان وفي جبال "يهودا". نسبة تأييد "يهدوت هتوراة" و"شاس" في هذه المستوطنات هي 51 – 83% (متتياهو 83%، معاليه عاموس 59%، اسبر 55% وغنيه موديعين 51%)، مع منحى انخفاض معتدل في تأييد "الليكود". أيضا في هذا السياق يجب الإشارة إلى التصنيف الاقتصادي – الاجتماعي المتدني: اسبر، كوخاف يعقوب، ومتتياهو هي في العنقود 2.
لموقع هذه التجمعات السكانية – نتيجة تصميم القيادة الحريدية في تسعينيات القرن الماضي – أهمية كبيرة. فموديعين عيليت وبيتار عيليت وغنيه موديعين ومتتياهو جميعها توجد على الخط الأخضر أو قريبا منه، وتل تسيون وجفعات زئيف تبعد 3 كم عن القدس، بينما تبعد عمانوئيل 11 كم عن الخط الأخضر، وتوجد معاليه عاموس واسبر على بعد 10 كم شرق هذا الخط. وفي الاقتراحات الإسرائيلية والفلسطينية التي طرحت أثناء المفاوضات على مدى السنين تم الاتفاق بشكل شبه كامل على ضم تجمعات موديعين عيليت وبيتار عيليت وجفعات زئيف وغنيه موديعين ومتتياهو، حيث يعيش 90% من الحريديين في "يهودا" و"السامرة"، إلى إسرائيل كجزء في أي تسوية دائمة. هذا يعني انه يتوقع أن يتم ضم أغلبية الحريديين الذين يعيشون حاليا خارج الخط الأخضر إلى الأراضي الإسرائيلية السيادية في أي تسوية سياسية واقعية.
النتيجة هي مفارقة إسرائيلية واضحة: السكان الحريديون في "يهودا" و"السامرة"، الذين عددهم حالياً 200 ألف نسمة، أي خمس إجمالي الحريديين في إسرائيل، هم المحرك الديمغرافي الرئيس للمستوطنات، لكنهم في الوقت ذاته يمثلون العبء الاقتصادي الأكبر على دافع الضرائب الإسرائيلي. وما زالوا في مكانة اقتصادية – اجتماعية متدنية، ويتمتعون بتمويل شبه حكومي كامل، لكنهم يتبنون موقفا سياسيا يحول دون التوصل إلى اتفاق يخضعهم لسيادة إسرائيل. هذه الفئة، التي كان من المفروض أن تكون المستفيد الرئيس من أي اتفاق سياسي، باتت بمبادرة من قادتها عاملاً يعيق هذا الاتفاق. يلخص هذا قصة الحريديين في "يهودا" و"السامرة": نمو ديمغرافي كبير، واعتماد متزايد على الميزانيات، وخسارة سياسية شبه مأساوية لفرصة ضمان مكانة قانونية لجمهور كامل ومكانة محمية داخل دولة إسرائيل.

عن "هآرتس"

 

 

 

 

Loading...