تركيا.... إلى أين

 

 

 

 

أصبح اللعب على المكشوف ودون مواربة، خرجت أمريكا من التخطيط في الغرف المظلمة إلى التخطيط في العلن بعد أن أصبحت دولة شمولية يقودها ديكتاتور هدفه بقاء أمريكا قوة عظمى وحيدة في قيادة العالم من خلال السيطرة وبسط النفوذ على الموارد والثروات، تداعيات حرب غزة غيرت وجه المنطقة وحملت تغييراً حقيقياً في موازين القوى وأحدثت تغيير فعلي على المستوى الجيوسياسي، والآن حان الوقت لإعادة التموضع العسكري بالمنطقة وتوزيع الأدوار لحماية المضائق وأماكن العبور لبدء عملية الجباية والاستثمار، نتنياهو كأداة للتنفيذ ضيفاً عزيزاً على ترمب لوضع اللمسات الأخيرة لإعادة ترسيم خرائط المنطقة والعالم كله بلا استثناء، ترمب يؤكد بأنه لم يتبقى حروب بالمنطقة التي شهدت أحداث عنيفة، ولطالما كذب!! كيف، والمنطقة كلها داخل المشروع الصهيوني وبالسياسات الهستيرية للائتلاف اليميني المتطرف ستكون حروباً وجودية بلا هوادة تحرق كل شيء.

أهم منجزات ترمب الآن اعلان الحرب على الاسلام المتطرف جزء من مسرحية الارهاب، تنظيم داعش وقد عاد من جديد!! ونشر الدين الابراهيمي حيث الأمن والسلام!!، توزيع الهدايا فالجولان هدية لإسرائيل وعض النظر عن توسعها بالجنوب السوري وغالباً لن تخرج تنفيذاً لرغبة ترمب بضرورة توسيع مساحة إسرائيل، والاستيطان بالضفة الغربية قانوني فهي جزء من الكيان التوراتي، وغزة منتهي أمرها فهي ترامبية بحتة و"الترحيل قرار" لا اعمار وشكل أخر للإبادة للتهجير بالقهر لا بالاختيار!!، وما أدرانا قد يكون أحد أهداف نتنياهو الاعتراف بالصومالي لاند كوطن بديل لسكان غزة، لا شيء يأتي صدفة!! وثمة عملية عسكرية ضد إيران والجنوب اللبناني والتحضير اكتمل بانتظار صفارة الانطلاق لن تنحصر تبعاتها على الطرفين بما تمثله على مستوى الأمن الاستراتيجي لروسيا والصين، اعلان الحرب على فنزويلا ونيجيريا للسيطرة على مواردهم النفطية والغازية، واعلان ترمب انضمام الغرين لاند رغماً عن أوروبا وترك أوروبا وحيدة بمواجهة روسيا، وقد لا تكون تركيا الحليف بمنأى عن هذا الزلزال ولعبة الخرائط التي تمس جزء من أراضيها حسب المشروع التوراتي، فبدأت تركيا تستشعر الخطر لا سيما بعد أن وجه نتنياهو رسالة تحذير لوضع حد للإمبراطورية التركية والعثمانية الجديدة، فهل بدأ حصار تركيا والضغط عليها؟؟   

قد تكون البراغماتية عنوان السياسة الخارجية التركية وخاصة أنها اقتربت من تحقيق الحلم بتحويل تركيا إلى مركز اقليمي للغاز، تركيا بلد مستهلك للغاز والطاقة وفي ظل أزمات وحروب الطاقة ستكون أمام اشكالية وتحدي بأمنها الطاقي ورؤية أردوغان أن الاستقرار الاقتصادي لا يتحقق دون ضمان توريدات غاز دائمة وبأسعار منخفضة تحققها بتحويل بلده إلى مركز أساسي في أسواق الغاز يؤمن توريدات تركيا من الغاز بالإضافة إلى فرض رسوم عبور الغاز لدعم الدخل القومي وزيادة النفوذ الجيوسياسي وقد أنشأ مشاريع استراتيجية وخطوط دولية وشبكة أنابيب محلية مع روسيا وايران واذربيجان وأخرى مع أوكرانيا واليونان لتأمين توريد الغاز إلى أوروبا وإن كانت أوروبا قد أوجدت بدائل للغاز الروسي وحتماً لا عودة. 

أردوغان منح أضواء خضراء كافية لأن يؤدي ما يخدم الاستراتيجية الأمريكية سعياً منه للقيام بدور اقليمي في النظام الدولي وفي منطقة الشرق الأوسط بالأخص لزيادة نفوذه الجيوسياسي ومليء الفراغ الأمريكي والفراغ الإيراني، باعتبار تركيا من القوى المتوسطة في النظام الدولي وتمتلك من مصادر القوة الاقتصادية والعسكرية والموقع الجيواستراتيجي ما يؤهلها لهذا الدور فهي تشكل منطقة ربط بين آسيا وأوروبا وتشكل منطقة عبور مهمة تتحكم بالمضائق والممرات المائية الحيوية التي تربط بين بحر ايجه والبحر الأسود، وسيطرة تركيا على شمال قبرص لتمتلك أطول ساحل على شرق المتوسط قادرة على فرض شروط على أي مشروع طاقة بالمنطقة وجعلها الفريسة القادمة مع اقتراب العملية العسكرية ضد إيران، يعلم أردوغان ما يناقش بالغرف السرية للمفاوضات ليجد نفسه في مأزق من خطر التمدد الإسرائيلي "سنكون الهدف الثاني"، فإحياء الدولة العثمانية أكثر من أن يكون مستحيلاً حتى من الجانب الأمريكي الذي يقف إلى جانب إسرائيل وضد المشروع التركي.

نتنياهو يخشى من التمدد التركي وانشاء قاعدة سنية جديدة في المنطقة بقيادة تركيا ويرى أن التمدد التركي بلغ حدوده كبديل للمشروع الإيراني وخاصة في سوريا، طبعاً العرب خارج اللعبة، فممر داوود الذي تخطط له إسرائيل يبدأ من السويداء ويمتد من مرتفعات الجولان تجاه محافظات القنيطرة درعا السويداء يقطع بلاد الشام باتجاه معبر التنف الحدودي السوري وهو حالياً تحت السيطرة الأمريكية يتوغل شرقاً تجاه دير الزور والبوكمال وصولاً لنهر الفرات حيث مناطق سيطرة قسد والربط مع اقليم كردستان العراق، هنا تكمن الأهمية الاقتصادية لإسرائيل إذ يفتح لها الوصول المباشر للنفط بكردستان مع امكان انشاء خط أنابيب من أربيل إلى ميناء حيفا مباشرة، والسيطرة على منابع المياه والثروات العربية وتشكيل نفوذ سياسي جديد، وعسكرياً انشاء شريط نفوذ أمني يمنح إسرائيل عمقاً استراتيجياً بإقامة مناطق عازلة منزوعة السلاح.

تركيا إلى أين؟؟ تركيا أمام مخاطر وجودية، تصعيد التوتر الروسي التركي روسيا تضرب سفن تركية وتركيا تلتزم الصمت تزامناً مع زيادة التصعيد الإسرائيلي ضدها ملامحه اتفاقية الغاز المصري الإسرائيلية، ثم اتفاق يوناني قبرصي إسرائيلي من أجل تطويق تمرير الغاز الاذربيجاني عبر شرق سوريا، وبالاتفاق التركي الايراني يبرز أهمية الساحل السوري والتنافس عليه بين القوى العظمى روسيا وأمريكا، ورفض الوجود التركي ضمن المجلس العسكري في غزة، وفي سوريا حول قسد اذا تم انضمامها للحكومة الانتقالية ستخرج تركيا بخفي حنين وهي المايسترو، وإحراج تركيا بإسقاط الطائرة الليبية ومقتل حليفها رئيس الأركان، وأخيراً الصومالي لاند، محاولات لتحجيم تركيا والضغط عليها لتكون أمام خيارين إما الرضوخ وضمان مسار الغاز من شرق المتوسط لأوروبا خارج النفوذ التركي والقبول بتقليص نفوذها بممر داوود بسوريا وغزة وليبيا، وأما بمواجهة ضربة عسكرية بالتزامن مع ضرب إيران.

الأمور معقدة من الممكن جداً أن نشهد تحالفات جديدة تحدث انقسامات في المحاور تحالف تركي مصري إيراني مع اريتريا والصومال والسودان بمواجهة تحالف إسرائيلي اثيوبي بالبحر الأحمر ربما نشهد مواجهة مباشرة على النفوذ بالبحر الأحمر واحتمال تبقى بؤرة توتر للمساومة، فهل بدا الصدام بين تركيا وإسرائيل حول تشكيل المنطقة؟؟ وهل ما تعيشه تركيا الآن من تهديد وجودي هو نتيجة سياساتها الخاطئة، وكيف سيكون الأمر مع ترمب في حال نشوب الصراع التركي الإسرائيلي؟؟ لا علم لنا سوى أن غزة ستبقى شوكة في مشروع الدولة الابراهيمية، واقتتال الاخوة يلوح فلا قيامة للعرب بعد الآن.

 

 

 

 

Loading...